لماذا التشكيك بشكل عام في الشهادات التي يحصل عليها من خارج المملكة؟!

الحمد لله عالم الخفايا، وما تخفي الصدور، والصلاة والسلام على الصادق الصدوق خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد، فقد يكون مدعاة الكتابة عن موضوع من الموضوعات ما يمر بالكاتب من تعامل يحتم عليه أن يكتب عنه برأي وحيادية تامة، لا مطمع في الحصول على مزية، أو معاملة خاصة به وحده، لكن لعل في مناقشة وتحليل ونقد ما حصل يكون سبباً للإصلاح والتصحيح. فبعد أن انتهت إجراءات معادلة شهاداتي الجامعية بمختلف درجاتها (الجامعية والعليا)، قلت لا بد من الكتابة عن كل ما حصل بنقد بناء ومناقشة هادئة، وتحليل منطقي تحت العنوان أعلاه بصيغة السؤال، وطرحته شفوياً على مسؤولين في وزارة التعليم العالي، وعرفت الإجابة التي يبرر بها هذا التعميم بأنه لكشف الشهادات المزورة، والشهادات غير المعترف بها، فقلت إن الإجابة غير مقنعة لأن من يحمل شهادة مزورة أو شهادة من جامعة غير معترف بها لن يطلب معادلتها، إنما يكتفي بالتمتع بسمعة اللقب العلمي (دكتور) في المجتمع، وهذا أفضل من الشهادات الفخرية التي تمنح لبعض الرؤساء والمسؤولين، ولا يستثنى ممن يحمل الشهادات المزورة، أو التي أعطيت من جامعات غير معترف بها إلا حالات فردية تقدم من صاحب مركز أو وجيه أو من أحد أولادهما، إذ قد يطلب معادلة الشهادة إذا كان قد وُعد بتمريرها دون عوائق، ولعل هذا يمكن أن يحصل كالحالة التي كتب عنها، وإن لم تفلح تلك المحاولة، إن صح ما كتب.
ولا أريد الإطالة في النقاش، وأقول ما قاله الشاعر زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرء من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
لذا أبدأ بالكتابة عن الموضوع بإيضاح أن الشهادة الجامعية التي حصلت عليها كانت من جامعة معترف بها، وكنت مبتعثاً، وقد تعينت بموجبها في الوظيفة العامة، وكذلك شهادة الماجستير (دبلومان عاليان في الشريعة الإسلامية والقانون العام) حصلت عليهما، وأنا موظف مبتعث متفرغ، وقد عينت في الوظيفة المناسبة للدرجة العلمية، ثم نلت درجة الدكتوراه في الحقوق بتفرغ (جزئي)، وأنا أشغل المرتبة الرابعة عشرة، وبالتالي لا أستفيد منها وظيفياً، والمهم إبرازه المتناقضات التي حصلت، وهي أنه لم يُطلب مني معادلة الشهادتين الجامعية والماجستير كما يحصل الآن لكل من يحصل على شهادة من خارج المملكة ولو كان مبتعثاً، وتقاعدت من الوظيفة العامة مبكراً، وحصلت على ترخيص من وزارة التجارة لمزاولة مهنة (مستشار قانوني) عام 1414 هـ، في وقت لم يصدر فيه نظام المحاماة، ولا يُتعرف بمهنة المحاماة رسمياً، بل الوكالة الشرعية، وبعد صدور نظام المحاماة حصلت على ترخيص مزاولة مهنة المحاماة من وزارة العدل، وفي كلتا الحالتين لم يطلب مني معادلة الشهادات، وشاءت إرادة الله - عز وجل - أن أقف على موقف مستغرب جداً متناقض مع ما سبق عندما طلب مني معادلة الشهادات من أجل تجديد ترخيص مهنة المحاماة، فذهبت مضطراً أمام طلب لجنة قيد وقبول المحامين (إدارة المحاماة في وزارة العدل) لأخوض تجربة غريبة، فعندما راجعت الإدارة العامة لمعادلة الشهادات طلب مني معادلة كل الشهادات، فقدمت الطلب، وقيد برقم (2 - 62962 - 1431) بتاريخ 4/7/1431هـ، وصرت أتابع رغبة في سرعة إنهاء الإجراءات المطلوبة، وبعد فترة قيل لي إن الملحق الثقافي أبدى أن الجامعة ترغب في دفع رسم لقاء إعطاء معلومات عن الشهادات، وأن علي أن أسافر، أو أكلف شخصا بتسديد الرسم المطلوب حتى ينهي الإجراء، فاستغربت ما قيل لي، وقلت إن ما يجري عمل رسمي ما ينبغي أن أتدخل فيه بأي اتصال بالجامعة من الناحية القانونية، وألا أقوم بأي دور محافظة على السرية للتأكد من صحة الشهادة، وإن كنتم ترون أن أدفع الرسم لكم، وترسلونه إلى الملحق الثقافي، فلا مانع لدي، فقالوا ننتظر للملحق أن يكتب عن ذلك لمعالي الوزير لأن المسألة ليست لحالة فردية، وبعد مدة سألت عما تم، فقيل لي قد كتب فعلا للوزير، وأنه أحيل إلى النائب، فذهبت إلى النائب، وشرحت له كل ما سمعته، واستفسرت عن الإجراء الذي عمد به الملحق، فأكد لي أنه عمد الملحق بتسديد الرسم المطلوب، فصرت أتابع مع الإدارة المعنية، فكان الرد بأنه لم يردهم ما يفيد أن إجراءً قد اتخذ، وبعد فترة تلقيت الخطاب رقم (21245) وتاريخ 2/3/1432هـ، يتضمن إفادة بأن ملفي (مغلق) لحين تسديد الرسم للجامعة (.. حسب إفادة الملحق الثقافي)، وطلب مني (..الإشارة إليه عند مراجعتك)، فاستغربت أكثر من ذي قبل، فكتبت خطابا إلى نائب الوزير بتاريخ 20/3/1432هـ، أوضحت له ما تلقيته من الإدارة المعنية مرفقاً صورة من خطابهم، وطالباً توجيه الجهة المعنية بإنهاء معادلة الشهادات وفق الإجراء القانوني الصحيح، وصرت أتابع بالهاتف عسى أن يكون قد تم ما هو مطلوب، فكانت الردود سلبية إلى أن أعلمت في آخر اتصال لي بأن الأمر قد فرج، ولم يبق إلا العرض على اللجنة المختصة، ثم بلغت بعد فترة بطلب الحضور لتسلم قرارات المعادلة يوم الأربعاء 29/6/1432هـ، فذهبت يوم السبت 2/7، وتسلمت القرارات، فكان إنهاء هذا الإجراء قد استغرق قرابة السنة، فقلت إن هذا أمر يستحق الكتابة عنه لعل وعسى أن يفيد ذلك بحيث لا يتكرر مثل هذا الروتين، والبيروقراطية الإدارية المعطلة، التي يتضرر منها من يحصل على شهادة من خارج المملكة، فمثلا لو كنت أنتظر التعيين بالشهادات، فإن هذا سيتأخر قرابة سنة، ومن حسن حظي أن (لجنة قيد وقبول المحامين)، تراجعت عن رأيها، وأوصت بتجديد الترخيص قبل انتهاء إجراء المعادلة، وهذا قد يحصل لغيري من الحاصلين على شهاداتهم من خارج المملكة، إذ أجزم بأن الدارس في الخارج هو الذي يتضرر عندما تسنح له فرصة التعيين، فلا يتم إلا بعد معادلة شهادته وفق ما يحصل الآن، وأذكر على سبيل المثال أن قريباً لي حصل على فرصة التوظيف بشهادة الماجستير، فاستغرق إجراء المعادلة ثلاثة أشهر، فتضرر بتأخر تعيينه، ومن حسن حظه أن الضرر لم يكن أكبر بفوات الفرصة بتعيين غيره نظراً لتأخر إحضار قرار المعادلة، ويمكن أن يكون التأخير بمدد أطول، فقد تحدثت مع مواطن، وأنا خارج من إدارة معادلة الشهادات، فقلت له مبروك على قرار المعادلة، فقال ماذا؟ بعد أربعة أشهر، واستناد الجهة المعنية بالتوظيف في ذلك على ما جاء في نص الفقرة (2 - 5) من لائحة معادلة الشهادات التي قضت بمعادلة الشهادات لأغراض التوظيف والترقية، فإن الأخذ بعموم النص يجعل إجراء معادلة الشهادة يُعد شرطاً للتعيين والترقية في وظائف القطاع العام والشركات الحكومية، وهذا فيه ضرر متوقع نتيجة التأخر في الإنجاز الذي يحصل كما سبق إيضاحه، والمفروض ألا يكون بهذا التعميم، فالحاصل على الشهادة بطريق الابتعاث إلى جامعة معترف بمستواها العلمي، لا تحتاج إلى معادلة، إذ يفترض أن الدارس الحاصل على الشهادة منضبط ومواظب، ولا تثور حوله شكوك، إذ من واجب الملحق الثقافي أن يتابع المبتعثين في الجامعات بوسائل اتصال سهلة أولاً بأول حتى يكملوا دراستهم، فإذا كان الملحق مقصراً في أداء الواجب، فلا يحمل هذا التقصير على كل طالب بالتشكيك في شهادته بافتراض العكس أنه غير منضبط، وأنه حصل على الشهادة بطرق غير مشروعة، وتعميم هذا يجعل كل شهادة من الخارج لا بد من معادلتها بالكتابة للجامعة المتخرج فيها الطالب عن مدى صحة شهادته، وهذا ما كان يحصل في السابق، إذ كان ما يطلب معادلته من الشهادات التي يحصل عليها من بعض الجامعات غير المعروف عن مستواها العلمي، أو التي يُشك في صحتها بالحصول عليها بالانتساب. وأعتقد أن هناك متناقضات كثيرة فيما هو جار عليه العمل الآن، ولا يعلم عن الأسباب الحقيقية وراء ما يحصل هل هو بسبب القائمين بالعمل، ومدى فهمهم للنظام أو اللائحة، أم لوجود عيوب في صياغة النصوص؟ ومثلا اطلعت على لائحة معادلة الشهادات، فلفت نظري ما ورد في الفقرة (أ) من القاعدة التنفيذية ( 6 - 1)، إذ نصت على (ضرورة الحصول على الموافقة المسبقة على الدراسة في الخارج من وزارة التعليم العالي لمن يدرس على حسابه الخاص، على ألا تشكل هذه الموافقة التزاماً من الوزارة بالمعادلة بعد التخرج)، فالنص يؤكد ضرورة الحصول على موافقة الوزارة للدراسة في الخارج لمن يدرس على حسابه الخاص، وفي الوقت نفسه تجعل موافقتها لا تلزمها بمعادلة شهادته بعد التخرج، أليس في هذا تناقض؟ فمعادلة الشهادة قرار إداري يُعطى لحامل الشهادة، وليس فيه إلزام بالتعيين في وظيفة عامة، أو مزايا مادية تترتب على الوزارة عند معادلة الشهادة، وهذا كمثال للعيب في صياغة النصوص.
ما تقدم عرض لحالة تبين ما يحصل من تأخير في الإنجاز لأسباب عديدة منها مسألة تعميم التشكيك في الشهادات التي يُحصل عليها من خارج المملكة بناء على افتراض في غير محله، ثم إنه إذا كان هذا يطبق على كل مواطن، فهل هذا يطبق على غير السعودي الذي يتقاعد معه؟ إن كانت الإجابة بنعم، فأعتقد أن هذا سيؤخر عملية التقاعد إلا إذا كانت هناك معاملة خاصة سريعة تتم بها معادلة شهادة غير السعودي، فالتأخير مشكلة رغم توافر وسائل التقنية الحديثة للاتصال، وسرعة الإنجاز، فلا بد من الإصلاح والتصحيح بما يخدم المصلحة العامة، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي