وزارة البلدية و«الشورى» والمواطن سبب مشكلة الإسكان
هناك من الناس من يذكر نصف الحقيقة، ليصل إلى مبتغاه، ولا يذكر الحقيقة كاملة لأنها تثبت عكس كلامه. وقال تعالى: ''ويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون''، فذِكر نصف الآية يُعطي معنى مختلفا عن ذكرها كاملة. وهذه العملية ضررها محدود عندما يكون هذا الشخص في بيته أو مع زملائه، ولكن إذا تقلد هذا الشخص منبرا إعلاميا فإن ضرره أشد، وذلك لما للإعلام من تأثير على المسؤولين وعلى عامة الناس.
والغرض من هذه المقدمة هو الحديث عن بعض الآراء التي صدرت من بعض الإخوة المحللين والمختصين في العقار. صحيفة ''الاقتصادية'' ذكرت أن مشكلة الأراضي البيضاء وارتفاع الأسعار هي مشكلة وطنية وأنها أوقفت عجلة التنمية وأضرت بالمواطن، وهذه فعلاً حقيقة مرة، ولكن كان ما تناوله البعض، من وجهة نظري - التي تحتمل الصواب والخطأ - يضر بهذه القضية الوطنية أكثر من خدمتها.
من بين هذه الآراء التي تعرض نصف الحقيقة كانت في لقاء تلفزيوني، وهي ''إن وزارة البلدية والشؤون القروية هي السبب في ارتفاع أسعار العقار لتأخرها في فسح الأراضي''، وكأن جميع الأراضي في الرياض مُقَدمة للوزارة لاعتماد فسحها، وهذا غير صحيح. وفي الواقع أن المقدم للوزارة لا يزيد على ربع في المائة من إجمالي الأراضي.
ثم استطرد صاحب هذا الرأي بالقول ''إن مجلس الشورى تسّرع في إصدار توصية لفرض رسوم الأراضي البيضاء دون دراسة، وأنه يجزم بأن التوصية في غير محلها وأنها ربما تزيد من الأسعار''. ولكن كيف يلوم مجلس الشورى على التوصية دون دراسة، رغم أن التوصية هي لعمل دراسة، ولا يلوم نفسه على مخالفته هذه التوصية ودون دراسة! ثم أردف بتحذير لمجلس الشورى ''إن أصحاب الأموال سيخرجون أموالهم خارج البلاد إذا ما أُقرّت الرسوم''. وسؤالي: هل مجلس الشورى بالكفاءات الموجودة فيه، الذي يتميز معظم من فيه بالمستوى التعليمي العالي والخبرة الطويلة، هل من المعقول أن تكون توصياتهم ارتجالية - كما ألمح الأخ الفاضل؟ وهل من المعقول أن هروب الأموال عند بيع الأراضي، إذا افترضنا وصدق التهديد، أهم من تعطيل عجلة التنمية؟ وما الفائدة من هذه الأموال وهي مدفونة تحت التراب؟
أما الرأي الآخر وفي مقابلة تلفزيونية أيضا فيقول إن سبب مشكلة السكن هو المواطن السعودي، ''فهو يصرف على الكماليات أكثر من السكن'' ومَثل على ذلك بأن ''معظم السعوديين يشترون سيارات فاخرة بالتقسيط وبقيمة تعادل قيمة أرض''. واقترح أن يقوم صاحب هذا الرأي بزيارة مواقف السيارات لأي جهة حكومية أو أن ينظر بجانبه عند أي إشارة مرور، وأن يُقّدر القيمة السوقية لهذه السيارات، التي لا أعتقد أن المتوسط سيزيد على 40 ألف ريال على أحسن حال. ورغم أن كلامه صحيح نوعاً ما، ولكنه ينطبق على شواذ القاعدة ولا يجوز أن نُحمل القاعدة وزر شواذها.
كما خرج خبراء آخرون قالوا ''إن الأراضي مشاعة أو إرث وإن عليها من المشكلات ما عليها، فمن الصعب فرض رسوم عليها''. يوجد أربعة مليارات متر مربع أراض بيضاء داخل النطاق العمراني في الرياض، هل كلها مشاع وعليه مشكلات؟ ولنفرض أن الكلام ينطبق على 90 في المائة وهذا مستحيل، يتبقى لدينا 10 في المائة، وهي تعادل 400 مليون متر مربع، فيها بركة.
وهناك رأي آخر يقول ''أقِروا الرهن العقاري وأوجدوا طرق إقراض جديدة لحل الأزمة''، وهذه دعوة لمساعدة المحتكرين على بيع أراضيهم بأعلى سعر، في مقابل إدخال المواطن في نفق مظلم من الديون لا يرى له آخر.
إن معظم هذه الآراء إما أنها تنافي الواقع أو أنها تستغل مشكلات فردية شاذة عن القاعدة لإجهاض أي مشروع لحل الأزمة الإسكانية. ولا شك أن توصية مجلس الشورى - جزاهم الله عن المواطن خير الجزاء - كانت أشبه بلكمة مباغتة لم يتوقعها أحد، جعلت البعض يترنح بأقوال تنافي المنطق، ولكنها للأسف تشوش على الرأي العام وعلى المسؤول في اتخاذ قراراته.
والغريب في الأمر ليست آراءهم فحسب، ولكن هي أن يستمع إليها مذيع البرنامج أو مدير الحوار دون أن يناقشها أو يعقب عليها، مما يعطي الانطباع بأن البرنامج كان للتسويق لهذه الأفكار أو لإجهاض محاولة حل أزمة السكن، وهذا ليس بصحيح، فأنا أجزم بأن نية المذيعين حسنة. لذا أنصح مقدمي البرامج بمشاهدة برنامج Harad Talk على قناة BBC الشرق الأوسط المتحدثة بالإنجليزية لمعرفة كيفية إدارة الحوار ومناقشة الضيف في القضايا المهمة للمجتمع.
وختاماً لا أشك في أن هذه المشكلة هي من أهم مشكلات البلد والمواطن اليوم ويعاني منها السواد الأعظم من المواطنين، وينبغي تضافر جهود جميع المسؤولين في الجهات المعنية ومجلس الشورى لحلها، ولا أشك أيضاً في أن فرض رسوم على الأراضي البيضاء هو أهم هذه الحلول.
Twitter @ BawardiK