سعداء بالسلالة الجديدة في وادي بنوك الظل
قبل بضعة أسابيع قال مايك فاريل، رئيس أنالي كابيتال، وهي شركة تمويل غير بنكية يوجد مقرها في مدينة نيويورك، في خطاب موجه للمستثمرين ''في أوقات الفوضى (...) من يظلون على قيد الحياة ليسوا بالضرورة هم الأكبر أو الأشجع''.
وتابع: ''الباقون هم الأذكياء والنبهاء. نعم، المحظوظون بما فيه الكفاية ليتجنبوا مخاطر عدم اليقين. قد تكون البنوك الكبيرة مقيدة بأنواع الخطر التي يمكن أن تقدم عليها وفي الأنشطة التي يمكن أن تعمل فيها، لكننا (...) نقوم ببناء شركة مهيأة للعمل في هذه الأوقات المضطربة''.
هل هذا نسيج تسويقي نيويوركي؟ ربما. لكن خطاب فاريل يكشف عن اتجاه أكبر في وول ستريت، وأعني بذلك الدرجة التي تبسط بها شركات التمويل غير البنكية، كشركة أنالي، أجنحتها بشعور جديد من الثقة والتعطش للمشاريع. لكن بالرغم من حقيقة أن الأزمة المالية بدأت إلى حد كبير في القطاع غير المصرفي، أو في عالم بنوك الظل، ركز المنظمون الغربيون معظم جهودهم الإصلاحية حتى الآن على الأقل، على البنوك المنظمة.
وبصورة أكثر تحديداً، بينما تشدد اللوائح الجديدة المرتبطة ببازل ودود ـ فرانك معايير رأس المال على البنوك المنظمة، فإنها تستثني إلى حد بعيد المؤسسات غير البنكية، كالأدوات الاستثمارية، وصناديق التحوط، ودور الوساطة بين البنوك. ويقول المنظمون إن هذا يعكس ببساطة حقيقة أن البنوك المنظمة تلعب دوراً أكبر في الاقتصاد ككل مما تلعبه بنوك الظل، ولها أثر أكثر تدميراً عندما تفشل. وهم يعِدْون بتشديد اللوائح الخاصة بالمؤسسات غير البنكية بعد أن يطبقوا النظام الجديد الخاص بالبنوك المنظمة. وبحسب منظم مالي غربي ''إنها مسألة تسلسل''.
ويقول بعض المنظمين أيضاً إن حال القطاع غير البنكي تمثل مشكلة أقل، لأن حجم القطاع تقلص. فعندما تحدث وزير الخزانة الأمريكية، تيم جايتنر، إلى المصرفيين في مؤتمر عقد في أطلنطا، مثلا، أشار إلى أن عالم مصرفية الظل تقلص إلى النصف منذ عام 2007.
لكن الإحساس في وول ستريت ضئيل بأن قطاع مصرفية الظل في تراجع. بل على العكس من ذلك، عندما يتم تشديد اللوائح على البنوك يتحول النشاط والأفراد إلى عالم الظل بوتيرة أسرع.
ووفقا لرئيس إحدى شركات الأسهم الخاصة في وول ستريت: ''إننا نتجه نحو عصر ذهبي لشركات التمويل (غير البنكية) وهذا يعود إلى حد كبير إلى ما يفعله المنظمون بالبنوك''.
وتعتبر شركة أنالي دليلا على ذلك. فقد تأسست هذه المجموعة منذ عقد ونيف، أساساً بوصفها صندوقا متوسط الحجم للاستثمار العقاري. لكن في الأعوام الثلاثة الماضية - أو منذ حدوث الأزمة المالية – نمت موجوداتها إلى ما يزيد على 110 مليارات دولار، وباتت في حجم بنوك أمريكا الصغيرة.
ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى ازدهار عمل صناديق الاستثمار العقاري عندما عانت سوق التوريق في الأعوام الثلاثة الماضية. لكن شركة أنالي بدأت أيضاً في الانتقال إلى قطاعات كانت تهيمن عليها البنوك، كونها تستطيع في كثير من الأحيان أن تعمل بشكل أكثر إدراراً للربح في بعض المجالات – لأنها باعتبارها شركة غير بنكية، منظمة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصة ولا يترتب عليها أن تلبي اللوائح المصرفية فيما يتعلق، لنقل، بكفاية رأس المال.
وهكذا تختطف أنالي القروض التي تتجنبها البنوك الكبيرة. كما أنها تقدم التمويل لشركات الرهن. وهي تأمل تالياً أن تبدأ بشراء أصول تمتلكها جهات التابعة للدولة، عندما يتم بيعها في الأعوام المقبلة. وهي ليست وحيدة في ذلك. فقد تقدمت مجموعة من الصناديق الشبيهة بشركة أنالي بطلبات للحصول على تراخيص من هيئة الأوراق المالية والبورصة للقيام بأنشطة مشابهة. مثلا، مجموعة تي بي جي للأسهم الخاصة في سبيلها للانتقال إلى نشاط تقديم القروض للشركات من الدرجة الثانية. ويسعى صندوق تحوط فورتريس التابع لإحدى شركات الأسهم الخاصة للحصول على فرص مشابهة إلى جانب بعض صناديق التحوط.
إن هذا التوجه يترك بعض المراقبين في حالة من التخوف بشأن المخاطر النظامية. ويقول واحد من أكبر المحامين في وول ستريت: ''ما يحدث جنون. يجري دفع العمل خارج البنوك المنظمة إلى أجزاء من النظام لا يستطيع المنظمون أن يروها''.
لكن شركة أنالي تنكر ذلك وتقول بما أنها مسؤولة أمام المستثمرين القريبين منها وليس أمام المنظمين البعيدين، فإنها أكثر، وليست أقل حصافة في إدارة الخطر الائتماني.
ويستحيل القول ما إذا كان هذا صحيحاً. وربما لا يأتي الاختبار قبل عدة أعوام، لكن ما هو واضح أن من غير المحتمل أن ينتهي هذا التوجه في وقت قريب. ويحسن بالمستثمرين والمنظمين أن يأملوا في أن يتبين أن هذه السلالة الجديدة من بنوك الظل تدار على نحو أفضل من ذي قبل. وإذا لم يحدث ذلك، فقد ينظر المؤرخون إلى هذه الفترة كدرس آخر في النتائج غير المقصودة للإصلاح التنظيمي.