الكبد وتأثرها بالغذاء وعلاج تراكم الدهون الثلاثية
تحدثنا في موضوع سابق عن أن الكبد لدى الإنسان ترتبط بفصل الربيع، وهي تعتبر مكونة للدم الحار الرطب كما ذكر ذلك الطب الإسلامي والطب الصيني، لذا فإن الإكثار من المأكولات الحارة الرطبة يسبب زيادة في نشاط الكبد، وكذلك تولد الدم وهذا الأثر تراكمي، فوجبة واحدة منها لا تؤثر ولكن الإكثار منها زيادة على الحد الطبيعي أو في وقت ضعف الكبد يسبب هذا الأثر. وهذه الوجبات والمأكولات الحلوة مثل: الزبيب، العسل الأسود، الرمان الحلو، السكر الطبيعي، أو المأكولات الدسمة كالسمن، اللحوم الدسمة، صفار البيض، الجوز، وكذلك الحمص، إضافة إلى الإكثار من تناول الكبد.
في موضوع اليوم سنتطرق لأمراض ارتبطت بضعف الكبد، مثل: فقر الدم، أو تجمع الدهون على الكبد مع زيادة الكوليسترول الضار في الدم، ولعلنا نتناول كلا منها بالشرح ومقارنة الطب الإسلامي بمصطلحات الطب الحديث.
إن فقر الدم له عدة مسببات، منها قلة الحديد في الجسم مع ضعف الكبد، وقد أوضحت أن الإكثار من تناول المأكولات الحارة الرطبة ينشط الكبد ويسبب زيادة في الدم بشكل سريع، ومن هذه الأغذية الحلوة التي تصنف على أنها حارة رطبة مولدة للدم وعلى رأسها الزبيب الأسود أو العسل الأسود (دبس قصب السكر). لذا فللوصول إلى الزيادة في الدم المطلوبة لمن يعاني فقر الدم أو نقص الحديد أو من فقد جزءا من دمه في حادث أو نزيف يتناول نوعا من هذه الأغذية كمنقوع الزبيب الأسود أو ملعقة كبيرة من العسل الأسود. وكمثال عملي منقوع الزبيب مكوناته ربع كأس زبيب أسود والباقي ماء دافئ ينقع مساء ثم يخلط بالخلاط صباحا ويتناوله المريض على الريق مدة أسبوعين.
ويلاحظ أن أفضل وقت وأسرع حالات الاستجابة لعلاج فقر الدم ونقص الحديد هو فصل الربيع لأن الكبد نشطة في هذا الفصل. وبالنسبة للكوليسترول الضار في الدم فإن له عدة أسباب مثل وجود التهابات خفية في الجسم أو النقص الشديد في تناول الماء أو قلة الدهون النافعة أو تراكم الدهون الثلاثية على الكبد، وهو الأغلب هذا العصر.
ففي عصر الرفاهية وقلة الحركة انتشر مرض تولد وتراكم الدهون على الكبد وهي دهون ثلاثية ناتجة عن تخزين سكر الفركتوز الزائد عن حاجة الجسم على الكبد، وهذا يكون لمن لديه نقص واضح في عنصر المغنيسيوم، وهو من الأمور التي يطول علاجها في الطب الحديث. ومن الأمور المعروفة أن تولد الدهون على الكبد يضعفها ويتسبب في زيادة الكوليسترول الضار في الدم، وإذا أهمل ذلك سنوات قد يصاب الإنسان بمرض السكري النوع الثاني أو بالمشكلات القلبية.
وهذه الدهون على الكبد كانت تفسر في الطب الإسلامي بنوع من السدد يضعف الكبد عن أداء مهامها، وأفضل من ذكر ذلك علماء الطب في الأندلس، حيث ذكروا مقولة غريبة وهي أن الإكثار المفرط من تناول التمر يسبب ضعف الكبد وسددها، وهي مقولة أثبت الواقع والتجربة صحتها لبعض أنواع التمور خاصة الصفراء.
وكي أوضح أكثر، فالكبد في الطب الإسلامي تعرف بأنها تعشق الحلو وتجذبه إليها لأنه ينشطها واستخدمت هذه المعلومة كطريقة لإيصال الأعشاب للكبد بعد مزجها بغذاء ''حالي'' كالعسل، فمثلا لتنظيف الكبد وتنقيتها كانوا يخلطون الكمون المطحون مع العسل بملعقة لكل منهما، وكذلك استخدمت معلومة جذب الكبد للحلو لتعليل الإصابة ببعض الأمراض المضعفة للكبد والمسببة ما يسمى سدد الكبد. والسدد إما أن يكون عبارة عن دهون أو مواد تسبب سددا في مجاري الكبد، وكقاعدة في الطب الإسلامي أي ضعف لعضو بسبب السدد يجعل الفيروسات تهاجم هذا العضو، وكمثال فيروسات الكبد الوبائي التي تصيب الكبد بعد ضعفها وسددها.
هل الدهون الثلاثية إصابة قديمة؟ نعم، وكمثال على ذلك ذكرت كتب الطب الإسلامي أن أهل الأندلس أصيبوا بها، وكانوا يلومون فيها التمر، حيث كان أهل الأندلس يعيشون في رفاهية ورغد من العيش منّ الله بهما عليهم وكانوا في منطقة معتدلة الجو كثيرة الفواكه فكانوا يكثرون في يومهم من الفواكه الحلوة مع التمور، ما جعلها تتراكم في المعدة فيصعب على المعدة هضم كل هذه الأغذية الحلوة بسرعة، ما أعطى مجالا للكبد أن تجذب هذه الأطعمة إليها قبل اكتمال هضمها، ما سبب سدد الكبد الدهني أو ما يسمى الدهون الثلاثية على الكبد في العصر الحديث، وهذا يعلل عدم انتشار التمر عند أهل الأندلس وكذلك في المناطق المماثلة لمناخهم، حيث كانوا يعتبرونه مولدا لسدد الكبد ولو كانوا يأخذونه وحده باعتدال دون فواكه لما حصل لهم ذلك.
التعليل المشابه لما حدث لأهل الأندلس في الطب الحديث هو أنه مع قلة الحركة والإكثار من تناول ما يحوي سكر الفركتوز مع نقص معدن المغنيسيوم في الجسم، يسبب تراكم الدهون الثلاثية على الكبد الناتج عن تحول الفركتوز الزائد عن حاجة الجسم إلى هذه الدهون وتخزينها في الكبد على شكل دهون ثلاثية، وقد ذكرت هذه المعلومة قبل سنوات في مقال، وأكد ذلك تقرير من المستشفى التخصصي بهذا الخصوص.
وبالتالي فإن أكثر المصابين بزيادة الكوليسترول الضار في الدم في هذا العصر الذي قلت فيه الحركة يكون بسبب غذائي بالدرجة الأولى، وذلك كنتيجة للإفراط في تناول الفواكه الحلوة مع الإفراط في تناول التمر خاصة الأصفر الذي يتزامن مع نقص في المغنيسيوم في الجسم وانعدام الرياضة والحركة التي تستهلك هذه السكريات.
فالدهون الثلاثية تسبب زيادة في كوليسترول الدم الضار، ولعلاج مثل هذا النوع من الكوليسترول الضار يبدأ بإزالة الدهون الثلاثية من الكبد، التي إذا زالت يرجع الكوليسترول الضار إلى وضعه الطبيعي في الدم.
وهناك معلومة حول الكبد قد فهمها البعض بشكل خاطئ وهي أن الكبد تفرز 80 في المائة من الكوليسترول و20 في المائة يكون من الغذاء، وبنيت على المعلومة حمية غذائية تركز على تجنب الدهون، وهذه الحمية لم تنفع الكثير فهي لا تغير في نسبة الكوليسترول إلا بنسبة 20 في المائة فقط، وبالتالي ساد اعتقاد بأنه لا يمكن علاج الكوليسترول عن طريق تعديل الغذاء، وهذا غير صحيح، فالحمية الصحيحة لعلاج الكوليسترول من هذا النوع هي في تجنب ما يحوي الفركتوز مع تقوية معدن المغنيسيوم في الجسم عبر الغذاء أو الحبوب والحركة المعتدلة، وهي موجودة بالتفصيل وقد كتبت ووضعت في موقع سامي الثنيان على الشبكة العنكبوتية تحت باب الحميات الغذائية.
وقبل توضيح طريقة التخلص من هذه الدهون أود تعريفكم بمعلومة ذكرها الطب الإسلامي وهي الأطعمة والأعشاب المرة التي تعتبر مقوية للكبد مثل: الملفوف، الهندباء، الجريب فروت، الخيار المر، الطحالب البحرية، والكمون، وغيرها. ولو أخذنا الكمون نجد فيه طعم المرارة المقبول وهذا الطعم ينتج عادة عن عنصر المغنيسيوم الذي يعتبر معدنا يذوب في الماء، لذا فإن تناول مغلي بذور الكمون يعتبر غنيا بالمغنيسيوم المر المقوي للكبد.
وفي الطب الحديث يعتبر علاج الدهون الثلاثية أصعب من علاج الكوليسترول الضار، ويذكر الطب الحديث أن هذه الدهون تحتاج إلى وقت طويل لزوالها، وسبب ذلك إهمال الطب الحديث أثر الحمية الصحيحة في علاج هذه الدهون. فيجب أولا في هذه الحمية الامتناع عن الفواكه الحلوة وعصائرها مع التقليل جدا من التمور خاصة بعد العشاء، وإدخال الأغذية المقوية للكبد التي تحوي المغنيسيوم كاللوز، والبقدونس، وذلك لمدة شهر مع الاحتراز عن الوقوع مرة أخرى في الخطأ الغذائي الذي سبب تراكم الدهون على الكبد.
ويعتبر تناول كأس من مغلي بذور الكمون على الريق مع قطرات من الليمون لمدة أسبوع إلى أسبوعين من أفضل الطرق لتسريع إزالة هذه الدهون، وبالتالي رجوع الكوليسترول لوضعه الطبيعي بشرط تطبيق الحمية الخاصة بتقليل الفركتوز أو الامتناع عنه بالكامل مع إدخال الأغذية التي تقوي الكبد وتحوي المغنيسيوم كي تزول هذه الدهون الثلاثية خلال شهر إلى شهرين وإذا مارس الرياضة المعتدلة زالت هذه الدهون خلال شهر - بإذن الله.