المطار.. قبلة التحضر أو التخلف للقادمين من الجو
أعداد لا يستهان بها لا تأتي إلى المملكة من طريق البر، ولا من طريق البحر، وإنما تسافر إليها من طريق الجو، والمطارات هي قبلة هؤلاء القادمين إلى المملكة، وهي عنوان من عناوين تحضر الدولة، أو عنوان تخلفها، وحين حطت رحالنا في ماليزيا بمطار كوالالمبور الدولي، راعنا سعة مساحة المطار، وروعة بنائه، وجمال أنحائه، وتنوع خدماته، حتى إنه يبدو للقادم أنه يتجول في منتزه كبير، أو في منتج من منتجعات ماليزيا، وفي هذا المطار تجاوزوا النقل بالحافلات إلى نقل المسافرين بالقطار السريع من صالات القدوم إلى صالات الدخول في المدينة عبر ممرات الجوازات، والتنقل في المطار من صالة إلى صالة ومن مكان إلى مكان هو في حد ذاته سياحة في هذا المطار الفارع الطول والجمال؛ لما فيه من خدمات، ومبيعات، وأشجار، وخضرة، وجمال، ومن أبسط خدماته دورات للمياه لا يقل مستواها عن مستوى الدورات في فنادق الخمسة نجوم..!
هذا في مطار دولي.
وهكذا وجدنا الجمال والنظام والترتيب الأخاذ للخدمات في مطار داخلي صغير بناحية من نواحي كوالالمبور، وأظن اسمه مطار السلطان عبد العزيز شاه والمعروف بمطار subang Jaya، وعدد مطارات ماليزيا حسب ما هو منشور 41 مطارا، منها خمسة مطارات دولية، علماً أن هذه الدولة تقع على مساحة 329،845 كيلومترا، في الوقت الذي لا يوجد لدينا في المملكة إلا 28 مطاراً دوليا وداخليا، علماً أن المملكة تقع على مساحة قدرها 2.270.000 كيلو متر، يعني أن المملكة تزيد مساحتها على ماليزيا بأكثر من ستة أضعاف، ومع ذلك تزيد ماليزيا علينا بعدد المطارات بنحو الثلث تقريبا..! وبالنظر إلى حجم المساحة وحجم التفاوت في المطارات عددا وعدة، يتأكد لنا حجم القصور لدينا مهما استحضرنا عامل الصحراء الشاسعة في المملكة، وغيرها من العوامل الأخرى.
وقد أرسل لي أحد الإخوة عبر البريد الإلكتروني صوراً فوتوغرافية لمطار دبي، فأصبت بدوار بحجم الهوة بين مطار الملك خالد الدولي ـــ مثلا ـــ وبين مطار دبي، وحتى أتجاوز عامل الزمن بين إنشاء المطارين، أقول: أصبت بصدمة بحجم الهوة بين مطار الملك عبد العزيز في جدة، والذي طالته يد التحسين والتوسيع، وبين مطار دبي، أو بين مطار كوالالمبور..!
إن الدولة السعودية دعمت عملية الإنشاء، وعملية التطوير للمطارات بمليارات لا يمكن عدها في آلات الحاسبة التقليدية؛ لكثرة الأعداد المليونية والمليارية، فلماذا تتواضع مطاراتنا الدولية والداخلية وعمارتها الحضارية وخدماتها أمام دول لا تملك ما نملكه من موارد، ودعم لا محدود..؟!!
والشيء المدهش في تلك المطارات أسلوب الهندسة المعمارية، وطريقة رسم الديكورات، والزجاج الجمالي في كل ناحية، والأشجار والخضرة التي تحتضن كل زاوية، وجمال توزيع المعارض التجارية، والخدمات الإنسانية المنتشرة في كل ناحية، واللوحات الإرشادية التي تلاحق السائح في كل زنقة، ناهيك عن التوزيع العادل للإضاءة والتكييف... إلخ، وفي ظل هذا الرقي، فإن المسافر العادي لن ينزعج كثيراً بتأخر الطائرة لنصف ساعة أو ساعة؛ لأنه يشعر أنه في أجواء احتفالية، وليس في أجواء مشحونة بالحرارة، والجدران المتقابلة، والكراسي المتواضعة.
إننا نملك الكثير لنبني حضارتنا المادية بإزاء حضارتنا الإسلامية، والمسلمون على مر العصور في الدول الإسلامية المتلاحقة كان لهم القدح المعلى في روعة البناء، وجمال التشييد، ولمسة المعمار الإسلامي المبهر، فهل جاءت الحضارة المادية والتقدم المعماري لنكون في وسط الركب، أم لنكون في المقدمة..؟
إننا نطمع في أن نكون في المقدمة في شتى المجالات الحضارية، سواء في حضارة البناء والعمران، أو في حضارة الخدمات، أو في حضارة حفظ الحقوق، أو غيرها من عناوين التحضر في عالمنا اليوم.