إشكالية امتناع أحد الخصوم عن اختيار المُحكّم

إن مسألة تعيين المحكمين وكيفيتها وطريقة عزلهم تُعد من الأمور التي لا يخلو أي نظام تحكيم من التطرق لها نظراً لأهميتها في مسار عملية التحكيم، بل إنها تُعد أحد أهم أركان التحكيم برمته، ولذلك منح نظام التحكيم السعودي كغيره من أنظمة التحكيم الإقليمية والدولية الحق لأطراف الدعوى التحكيمية في تعيين المُحكم سواء أكان مُحكماً فرداً أم هيئة تحكيمية، انطلاقاً من أن التحكيم هو عمل اختياري، حيث يقوم النظام على قاعدة ارتضاء طرفي النزاع بشأن اختيار المُحكّم الخاص بهما، إلا أن البعض قد أساء استخدام هذا الحق من خلال امتناع الخصوم عن تعيين المُحكّم أو المحكمين أمام الجهة المختصة بنظر النزاع، مما يؤدي إلى عدم إتمام إجراءات التحكيم ومن ثم تأخر الفصل في النزاع، وبالتالي يلحق أضراراً كبيرة وفادحة بالطرف صاحب الحق.
الجدير بالذكر أن نظام التحكيم السعودي قد تنبَّه إلى هذا الأمر، إذ نصَّ في المادة العاشرة منه على أنه ''إذا لم يعيِّن الخصوم المحكمين، أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم، أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله، أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عزل عنه ولم يكن بين الخصوم شرط خاص، عينت الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين، وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم، ويكون ذلك بحضور الخصم الآخر أو في غيبته بعد دعوته إلى جلسة تعقد لهذا الغرض، ويجب أن يكون عدد من يعينون مساوياً للعدد المتفق عليه بين الخصوم أو مكملاً له، ويكون القرار في هذا الشأن نهائياً''. وبذلك يفترض أنه يتحقق لأطراف النزاع الحق الكامل في اختيار المحكمين دون وصاية من أية جهة، وبموجب هذا يتحمل كل طرف مسؤولية اختيار محكمه.
بيد أن نظام التحكيم قد يكون قد تطرق لنقطة مهمة عندما نصّ على أحقية الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع في تعيين المُحكم حال امتناع أحد الخصوم عن تسمية المُحكم المُعين من طرفه وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم بأن يكون ذلك بحضور الخصم أو في غيابه بعد إعلانه بجلسة تعقد لهذا الغرض، والهدف من هذا الحكم تجنب تأخير الفصل في النزاع بسبب تعنت أحد الخصوم عن تعيين المحكم الخاص به أو عدم حضوره الجلسات السابقة لتشكيل هيئة التحكيم أمام الجهة المختصة بنظر النزاع، وهذا هو ذاته ما نصت عليه أيضاً العديد من المراكز المحلية والدولية مثل مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث جاء في المادة (11) منها إذ إن الأصل في اختيار المحكم أو هيئة التحكيم هو أن للأطراف الحرية في ذلك، وفي حال الاختلاف بينهم يقوم الأمين العام بتعيينهم، استنادا إلى المادة (12) من لائحة إجراءات التحكيم.
وعلى الرغم من نص المادة العاشرة من نظام التحكيم رقم (م/46) وتاريخ 12/07/1403هـ فيما يخص تعيين المحكمين، إلا أن ما جاء في النظام أمر والواقع للأسف أمر آخر، حيث إن إجراءات تعيينهم لا تتم بهذه السهولة والسرعة وقد تستغرق وقتاً طويلاً ولربما يصل في بعض الحالات إلى عدة سنوات وبذلك تتلاشى القيمة أو إحدى القيم الإيجابية للتحكيم وهي عامل السرعة وعنصر الزمن.
وحلاً لهذه المشكلة فهناك تساؤل مشروع وهو هل يتطلب الأمر أن يشمل شرط التحكيم المنصوص عليه بعقود الاتفاق أو مشارطة التحكيم آلية دقيقة ومحددة لاختيار المُحكّم أو المحكمين أم أنه يكون من الأفضل أن يترك الأمر إلى ما بعد حدوث الخلاف بين الطرفين. إن القول بالنص في شرط التحكيم عن كل هذه الإجراءات يُعد من الأمور المحمودة التي تُجنِّب الخلاف مستقبلاً، لكن هذا يعتبر بمثابة مطلب مثالي وصعب المنال، بل إنه سيؤدي إلى الخلاف لعدم إمكان تطبيق ذلك، خاصة إذا ما انقضى وقت طويل بين تحرير شرط التحكيم بالعقد وبين قيام النزاع، إذ تتعدل الأنظمة والشروط المطلوبة لكل نزاع، مما يجعل الأطراف مضطرة إلى إدخال التعديلات على شرط التحكيم الذي يمكن أن يكون بمشارطة التحكيم ومن ثم يلغي اللاحق السابق.
لذا، فإنه قد يكون من الأفضل أن يدوّن كل ما يتعلق بأعضاء هيئة التحكيم بعد نشوء النزاع أي حال إعداد مشارطة التحكيم وليس قبل ذلك، وبالأخص فيما يتعلق بالفرعيات عدا الأصول العامة، كما أنه يفضل أن يوكل الأطراف إلى جهة معينة تحديد المحكمين وتعيينهم بالاتفاق مع أطراف النزاع كمراكز التحكيم المعروفة حال اختلاف الأطراف على ذلك، على أن يتم ذلك في مدة غير طويلة وربما تكون على سبيل المثال خلال أسبوعين من تاريخ تقديم طلب التحكيم، ومن ثم تكون وثيقة التحكيم هي الخطوة الأولى في اختيار المحكمين طبقا لنص المادة الأولى من نظام التحكيم التي تنص على أنه ''يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم، كما يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين''.
هذا ويجب على الأطراف قبل اختيار المحكمين أن يضعوا في اعتبارهم الشروط الواجب توافرها في المُحكم حال تعيينه حتى يكون اختياره صحيحاً، ومن هذه الشروط أن يكون محايداً وكفئا لتولي هذه المهمة وألا تكون له مصلحة قائمة في النزاع، نظراً لأنه يشبه القاضي ويتطلب منه أن يكون عفيفاً وفطناً، وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من نظام غرفة التجارة الدولية ونظام (اليونسترال)، فضلاً عن أن المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية منه قد نصت على عدم جواز أن يكون محكماً من كانت له مصلحة في النزاع وحُكم عليه بحد أو تعزير في جُرم مخلٍّ بالشرف أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة أو حكم بإشهار إفلاسه ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، إضافة إلى العديد من الشروط الأخرى.
وبناء على ما تقدم، فإن موضوع اختيار المُحكّم في حال ما وضع له الإطار الصحيح ــــ ولا بد أن يتم ذلك ــــ سيؤدي إلى نهضة كبيرة في مجال التحكيم مما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي