وزير العمل في لقاء خاص مع الكتاب
في لقاء خاص مع وزير العمل وصفه الوزير بلقاء قادة الفكر والرأي في المجتمع، احتشد ما يزيد على 15 زميلا من الكتاب في الصحف الذين حضروا بدعوة كريمة من وزير العمل للاستماع لبرنامجه الجديد "نطاقات"، ولا أخفيكم مدى إعجابي بمعالي الوزير وهو يخلع مشلح الوزارة ويتقمص شخصية مدير المشروع، فقد كان الوزير بديناميكيته وكاريزميته يقدم عرضه عن النطاقات شارحاً مستمعاً مجيباً عن الأسئلة بنفسه وبكل وضوح وتفصيل، مصغياً بكل احترام لآراء المخالفين متفاعلاً معها رغم قسوتها، لقد أدار الوزير حلقة النقاش تلك بكل تواضع ومهنية، ويسعدني في هذا المقال أن أشارك القراء بأحداث تلك الجلسة الخاصة غير السرية وإن كانت مختصرة (ومحفوفة).
لقد كان مقرراً لاجتماعنا أن يبدأ في الساعة الثامنة مساء، لكنه – مع الأسف - تأخر حتى التاسعة، ولم يخفف عنا ملل الانتظار وعبء التأخير إلا اعتذار الوزير بعد وصوله، حيث تغير جدول رحلته المقررة من جدة، وبدأ العرض الذي قدمه الوزير شخصياً بمقطعي فيديو حول التوطين، كانت بمنزلة توطئة لمبادرات الوزارة، ومن أجمل ما فيها الحقائق التي تم عرضها ومن أهمها رقم العاطلين عن العمل حالياً البالغ عددهم 450 ألف مواطن، ومبلغ الحوالات السنوية للعاملين الأجانب البالغ ٩٨ مليار ريال، ونسبة المواطنين للعمالة الوافدة محلياً، حيث يعمل في القطاع الخاص مواطن واحد مقابل كل تسعة عاملين وافدين، وأخيراً عدد الخريجين القادمين سنوياً إلى سوق العمل الذين يجب خلق وظائف لاستيعابهم ويفوق عددهم 100 ألف شاب وشابة سنوياً.
بعدها انتقل الوزير إلى استعراض عام لحلول الوزارة للتوطين، التي تشمل ما يزيد على 30 مبادرة لتوطين الوظائف، وقسمت الوزارة هذه الحلول إلى عاجلة وحلول طويلة الأمد، كما أنها ركزت على جانبي المعادلة، وهما العرض والطلب، ومن أبرز ما تفكر فيه الوزارة وفق عرض وزيرها ما يلي: في جانب الطلب ستعزز الوزارة منظومة التفتيش، إضافة إلى مكافحة التستر وترحيل المخالفين، وتصحيح الوضع التنافسي، والرقابة عن طريق تطوير أنظمة التحويلات المالية، وفرض سياسات لحماية الأجور، بما في ذلك رفع تكلفة العمالة الوافدة، أما على مستوى العرض فستقوم الوزارة بالعديد من الآليات لرفع كفاءة التدريب والمزيد من الآليات لدعم التوظيف.
ركز الوزير على تطوير برنامج نطاقات كأحد الحلول العاجلة للتوطين، وأعتقد أن الوزير بخلفيته العملية في القطاعين العام والخاص سيستطيع تطوير البرنامج ليحقق المعادلة الصعبة وتجميع المصالح المتضادة في برنامج واحد، ولن أشرح البرنامج فقد تحدثت عنه الوزارة بما فيه الكفاية تحريراً في الصحافة وعبر الأثير في التلفزيون والإذاعة، المهم أن هذا البرنامج وفقاً لعرض الوزير يجمع العديد من الخصائص التي لم تتكامل في أي من برامج السعودة السابقة له، وهذه الخصائص هي: التحفيز، المصداقية، العدالة، الشفافية، الواقعية، المرونة، والدقة، فهو محفز من حيث إعطاء مزايا إضافية عند تحقيق نسب توطين أعلى، وهو واقعي من حيث الاعتماد على الأرقام الفعلية للسعودة وليس بافتراض ما يجب أن يكون، كما يتمتع البرنامج بالمصداقية والدقة من حيث اعتماده على معلومات التأمينات بالنسبة للسعودة ومعلومات مركز المعلومات الوطني بالنسبة للعمالة الوافدة، وشفافية المشروع تتضح من حيث وضوح المعايير وإمكانية معرفة كل منشأة لوضعها دون وسيط، كما أن عدالة المشروع تتبين من خلال اختلاف النسب حسب نوعية النشاط وحجم المشروع والمقارنة بالمنشآت الأخرى في النشاط نفسه، والبرنامج مرن للغاية من حيث إمكانية تعديل النسب حسب التغير في السوق من ناحية المتطلبات والمعطيات، كما يمكن إدخال أنشطة جيدة إذا ثبت عدالة وجودها.
بعد العرض الشائق من الوزير دارت بين الحضور رحى النقاش والرؤى وإثارة التساؤلات، التي بدأت باستفسار عن جنة المستثمر الأجنبي ونار المستثمر السعودي فيما يتعلق بنسب السعودة، فأجاب الوزير بأن الوزارة لا تفرق في أي معاملة خاصة بالتأشيرات أو بنسب السعودة بينهما، ثم بمداخلة حول السعودة الصورية التي تقوم بها بعض المنشآت، ذكر الوزير أنها ستنتهي حتماً ليس بسبب جهود الوزارة فحسب، لكن بسبب أن العاطل سيتحصل على ألفي ريال التي أمر بها خادم الحرمين كمساعدة، وبالتالي فليس من المعقول أن يتركها العاطل ليسجل اسمه بـ 500 ريال! يضاف إلى ذلك ألف مفتش ستعينهم الوزارة لمتابعة تطبيقات السعودة، ثم استقبل الوزير قذيفة من العيار الثقيل من أحد الزملاء حيث تنبأ بفشل جهود الوزارة للسعودة، وذلك كاستمرار للفشل التاريخي والمستمر للوزارة في هذا المجال، ومنها برنامج نطاقات بسبب المتاجرة الواضحة بالعمالة والتأشيرات ذات الأرقام الفلكية، لكن رد الوزير كان جازماً بأنه لم ير أي تأشيرات فلكية منذ عمله في الوزارة وجميع التأشيرات تأخذ الإجراءات نفسها! وأصدقكم القول إنني رغم احترامي الشديد لحديث الوزير لم ألمس قناعة الحضور به، ثم توالت النقاشات وكان جميعها يدور حول مواضيع التوطين والسعودة، لكنها بعيدة بعض الشيء عن برنامج الوزير ومشروعه "نطاقات".
ولأن حظي العاثر جعلني في آخر طابور المتداخلين، وحيث تأخر الوقت حتى العاشرة والنصف مساء وبقي عشرة من الزملاء يسبقونني في مداخلاتهم وجدت نفسي مضطراً إلى المغادرة للحاق بضيوفي في المنزل وترك ما بقي من الاجتماع الشائق والمثير، ولذلك سأطرح ما في جعبتي من الاقتراحات المرتبطة مباشرة ببرنامج "نطاقات" التي أتمنى من الوزير وزملائه أخذها في الاعتبار لزيادة فاعلية البرنامج؛ ومن أهمها وضع نطاقات خاصة للمنشآت مقسمة حسب المناطق والمدن، فلا أعتقد أن منشأة مقرها شقراء أو حرض مثلاً سينطبق عليها ما ينطبق على منشأة مماثلة من حيث التخصص والحجم في مدينة الرياض، كما أقترح أن يتم مسك سجل للعامل السعودي مماثل للسجل الذي تمسكه شركة سمة للمعلومات الائتمانية، لكن سجل العامل يعنى بالشهادات والخبرات والقضايا ومدة العمل في كل منشأة للتمييز بين طالب الوظيفة والطالب (المشاغب)، وبالتالي فلا يعتبر المشاغبون من ضمن العاطلين عن العمل، كما أرى أن تكثف الوزارة جهودها لربط المشاريع الحكومية بالنطاق الأخضر على أقل تقدير، وبالتالي فهناك ضغط إضافي على المنشآت المتخلفة عن السعودة، وأقترح أيضاً أن تدرس الوزارة ربط حجم الاستثمار بالتوطين، فلا يكفي عدد العمالة الوافدة للقياس، فشركة حجم استثماراتها بالمليارات لا تقارن بأخرى تستثمر بمئات الآلاف من حيث نسب التوطين، أخيراً أقترح على الوزارة حل مشكلة الخدم والسائقين، حيث إن وزارة العمل تقرر ضم جميع العاملين في المؤسسات الفردية معاً واعتبارها كأنها مؤسسة واحدة فقط، لكن المشكلة أن سجلات وزارة الداخلية تدمج العاملين في المؤسسات الفردية مع العاملين الشخصيين لدى المواطنين ويشمل ذلك السائق والخادم والعامل والمزارع ... إلخ، وهؤلاء من الطبيعي فصلهم عن موظفي النشاط حتى تصنف المنشأة في نطاقها الصحيح.
وبعد.. أقول للوزير ما لم أعط الفرصة لقوله في حضرته وهو أننا اليوم في أشد حالات التفاؤل بنجاح وزارته لحل أزمة البطالة والعطالة وتوطين الوظائف والسعودة (مهما تغيرت الأسماء ولا مشاحة في الاصطلاح) ليس بسبب نجاحات معاليه السابقة، لكن لأننا نرى اليوم منتجاً مختلفاً عن جميع الحلول العقيمة السابقة، يتزامن ذلك مع الثقة الكبيرة التي أولاها الملك شخصياً - حفظه الله - للوزير، في ظل مقومات اقتصادية كبيرة تساعد على النجاح.
إذا كان من رهان على نجاح البرنامج فهو يعتمد على ثلاثة أمور؛ الأمر الأول هو أن هذا البرنامج يعتبر مشروعاً يعتمد على رؤية الوزير فإذا تغير الوزير صار مشروعه جزءا من التاريخ وبدأنا من نقطة الصفر من جديد! الأمر الثاني هو أن فريق العمل الذي يعتمد عليه الوزير هم من كانوا في الماضي.. فهل سيستطيع الوزير تغيير العقلية وإعادة البرمجة؟ الأمر الثالث هو أن نجاح التوطين وتقليص حجم البطالة يحتاج إلى تنسيق الجهود مع العديد من الجهات، خاصة وزارة الداخلية والتجارة والتأمينات الاجتماعية والقطاع الخاص.. فهل ستستجيب هذه الجهات مع ربان وزارة العمل ليقود سفينة التوطين إلى بر الأمان؟