شفافية المعلومات وتداولها .. متطلبات النهضة بقطاع المعلومات بالمملكة (2 من 2)
أنهيت الجزء الأول من مقالي السابق بأن الضرورات الوطنية، تشكّل أركانًا أساسية، يجب أن يلتزم بها القائمون على صياغة أنظمة المعلومات الجديدة؛ وكذا ضرورة، إخضاع ومراجعة أسباب بقاء هذه البيئة المجافية لحق الإتاحة والإفصاح والشفافية؛ ومراجعتها وتقويمها. وما من شيء يكبح كل هذه المفاسد أكثر من إتاحة المعلومات الصحيحة بشفافية كاملة.
اليوم أناقش كيفية النهوض بقطاع المعلومات في المملكة، الذي تغيّر مفهومه، تغيِّرًا كثيرًا في ضوء ما طرأ على العالم من تحديث وأصبح هذا المفهوم شاملاً ما يلي:
ــــ الفارق بين المعلومات information والمعارف Knowledge والبيانات data، حيث تأتي قيمة المعلومات في صدارة هذه المصطلحات بوصفها داعمًا رئيسًا لصنع واتخاذ القرارات.
ــــ تنشأ المعلومات، نتيجة عن الروابط والعلاقات بين الأشياء والأفعال والأفكار، لذلك كان منطقيًا زيادة حركية هذه العلاقة بين العناصر كافة؛ وكلما زادت القدرة على توليد المعلومات، وتم تناول هذه العلاقات دقيقًا كلما كانت نتائجها دقيقة، ومن ثم يكون القرار صائبًا أو أقرب إلى الصواب.
ــــ مفهوم تشابك قضية تداول المعلومات مع قضية سرعة هذا التداول بهدف إيجاد التواصل بين مراكز المعلومات وفروعها، تحطيمًا لحواجز الزمان والمكان، وتخطيًا للمركزية؛ فمن المعروف أنه كلما زادت القدرة على تداول المعلومات بالسرعة المناسبة؛ زادت معدلات التقدم واللحاق بروح العصر وهنا تبرز قيمة الاتصالات كأحد أهم عوامل ثورة المعلومات.
وبالنظر لوسائل تحقيق نهضة معلوماتية بالمملكة، أزعم أننا ما زلنا في حاجة ماسّة لاستكمال التصور الوطني لتنمية المعلومات؛ حيث إن هذا التصور يتعلق بتقنية متقدمة لأقصى درجة يتسارع فيها هذا التقدم يوميًا، ما يشير إلى أن الوقت ليس في مصلحتنا إذا تأخر جرس الإنذار؛ فلم يعد واجبًا أن نظل مستهلكين لهذه التقنية؛ ويتحتّم علينا أن نعي أن نجاح النظم الرقمية، وبروز دورها في صناعة المستقبل، من أهم دوافعنا للمبادرة إلى إحداث التكامل بين التقنية الرقمية والعقل...؛ ما يستوجب ذلك إعادة بناء عقلنا وتقويم مصادر معرفته، ومن ثم وجب علينا في هذا الخصوص الأخذ ببعض الأسباب اللازمة لتحقيق سيطرتنا على الجديد في مجال المعلومات ومنها:
1. الفهم الدقيق لخصائص المعلومات، وعدم استغلال المعلومات المتوافرة استخدامًا يغلب عليه التخمين والتقريب بداعي عدم توافر المعلومات الدقيقة؛ لأن ذلك سيؤثر في عنصر جودة المعلومات، الذي سيخل بمبدأ السيادة للأجود.
2. ضرورة أن تتسم الاستراتيجية الوطنية للمعلومات بالتكامل بين المؤسسات والهياكل والربط بين الشبكات وقواعد البيانات المحققة.
3. الاهتمام بالدراسات المستفيضة في هندسة الحوار والتعامل بأسلوب عصري وعلمي مع قضايانا عوضًا عن هندسة التراشق والتعامل بوسائط نمطية، عفا عليها الزمن!
4. بناء مجتمع المعلومات السعودي، الذي يستطيع استيعاب الجديد في مجال المعلومات والمعارف، وذلك من خلال ما يلي:
ــــ الاستثمار في الإنسان بوصفه صانع التقدم؛ ومهمة الاستثمار في الإنسان هي غاية المهام، كونها من أهم صناعات عصر المعلومات؛ فليس ثراء الموارد الطبيعية هو الذي يحدِّد مصير الأمم بل إبداعات مواطنيها ومدى تفاعلهم في مواجهة مشكلات التطور.
ــــ العناية بالتعليم بوصفه فنًا لتوطين المعلومات وتوصيلها وتوظيفها والاهتمام بصناع العلم، خاصة في مجال المعلومات والموارد الطبيعية والتقويم والتصنيع.
ــــ تطوير نظرتنا للتربية؛ فالتربية هي المشكلة، وهي الحل، كونها أهم عناصر فروع الولاء والانتماء والشفافية والإخلاص وجميعها عناصر لازمة لإحراز التقدم.
ــــ ترسيخ الثقة في البحث العلمي وتحفيز العلميين والمهندسين والفنيين وأساتذة الجامعات واحترام حدود التخصص العلمي والمهني والتصدي لظاهرة الانتهازية العلمية خاصة في حقل المعلومات.
ــــ تشجيع روح الابتكار لدى النشء؛ وحفز همم المبدعين ووقف سيطرة أنصاف المتعلمين على المراكز الحسَّاسة، خاصة في مجالات المعلومات بوصفها مجالاتٍ متخصصةً، تحتاج إلى مدركين لأهميتها، ومتخصصين قادرين علي التعامل معها.
ــــ توفير خدمات المعلومات وتحفيز الطلب عليها لدى الطلاب والباحثين والمهندسين والمديرين والمستثمرين.
ــــ توفير فرص التدريب والتحديث المستمر للمعلومات ونظمها وآلياتها.
ــــ إدراك أن الأمن المعلوماتي هو رأس مفردات الأمن الوطني؛ ولذلك يجب الاهتمام بتأمين نظمنا للمعلومات في أثناء تعاملنا مع التحالفات الدولية في مجال المعلومات، بإدراك ما يلي:
1 . عدم الارتهان لجانب حسن النية في تعاملاتنا المعلوماتية مع الآخرين ولابد الإدراك بأن تراكم المعلومات المتسربة وقواعد البيانات الــُمختَرقة سيؤدي إلى وجود قدر لا يستهان به من المعلومات لدى الراغبين في اختراقنا يمكنهم من الإضرار بأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية بل والعسكرية.
2 . عدم اليأس بداعي أنه مهما حاولنا تأمين معلوماتنا؛ فإن الأقدر علي امتلاك تقنية المعلومات بما لديه من إمكانيات السرقة والاختراق سوف يخترقنا رضينا أم أبينا، ويكمن الحل في موقفنا من امتلاك تقنية تأمين معلوماتنا!
3 . محاولات تأمين معلوماتنا بأسلوب الاستقلال والعزلة بإقامة شبكات داخلية لا تتصل بالشبكات العالمية، أسلوب يتعارض مع إمكانيات الاختراق والقرصنة الداخلية وزرع العملاء من بين مستخدمي الشبكات الداخلية الذين يعملون لحساب الشركات والمؤسسات والهيئات التي يهمها الحصول علي المعلومات، فذلك سيوجد نوعًا جديدًا أمن القرصنة والتجسس.
4 ـ تشجيع الاستثمارات الأجنبية، خاصة العربية في إقامة مشروعات مشتركة مع نظيراتها السعودية وتوفير التيسيرات لهذه الاستثمارات.
5 . على الجامعات الوطنية، مسؤولية بشكل مباشر عن تعليم وتدريب الكوادر والكفايات الوطنية في إطار صحيح لمفهوم المعلومات وخصائصها ونظمها، وإزاء هذه المسؤولية؛ فقد يتحتم عليها تطوير هياكلها وبرامجها ولوائحها ونظم ووسائل الدراسة بها، وأن توفق أوضاعها بما يجعلها قادرة على المساهمة الإيجابية في برامج تطوير نهضة المعلومات تدريسًا وبحثًا وتدريبًا مع التركيز على ما يلي: توجيه المناهج لتلاءم مطالب سوق العمل في المجتمعات المستوردة للتكنولوجيا دون إهمال مناهج التصميم والإنتاج مع التركيز علي مشكلات التشغيل والصيانة والتطوير وتوطين التكنولوجيا، خاصة في مجالات أسس الهندسة العكسية؛ وبحوث العمليات لتعظيم استغلالنا للموارد المتاحة والاهتمام بالعلوم الأساسية وتطوير العلوم؛ ومنهجيات تطوير نظم المعلومات (هندسة البرمجيات) وإدارة مشاريع التطوير التقني والمعلوماتي؛ وصيانة البرمجيات؛ وتطبيق نظم المعلومات ترسيخا لمبدأ التعليم من خلال العمل، وأن تشمل مناهج التأهيل الموضوعات كإدخال تقنية المعلومات كوسيلة للتعليم (الطالب ــ المدرس ــ التدريب ــ الإدارة ــ تطوير المناهج)؛ وتدريس أساسيات الذكاء الصناعي؛ وتدريس نظريات المنظومات والمعارف وأساليب التفكير.
إننا نؤكد أنه ليس بالعسير على المملكة، القيمة والقامة أن تحقق تلك الطفرة المعلوماتية المطلوبة بما لديها من علماء وخبراء ومتخصصين في مجالات متعددة تمثل ركيزة أساسية للانطلاق نحو التحديث والمعاصرة، كما أن لديها جامعات ومراكز بحوث واتصال ومعلومات وصناعة برمجيات تعد أساسًا لتحقيق نهضة سعودية في مجال المعلومات باعتبارها أحد أهم روافد تحقيق النهضة التقنية المتكاملة.