إصرار أمريكي على تفكيك عرى العلاقة بين إيران وسورية

يؤكد زلماي خليل زادة أن التغيير بعد مصر يجب أن يشمل سورية بالتأكيد، غير أنه يرى أن هناك اختلافا في المكانين، فسورية لها ارتباطات بحزب الله وبإيران وحماس، والمطلوب أن يتزامن الضغط الأمريكي لتحقيق هدف رئيس وهو تفكيك عرى هذه العلاقات، والأكثر من ذلك أن تمتلك الإدارة الأمريكية خريطة طريق لما بعد التغيير.
وعليه يطرح سؤال وهو: كيف تتصرف الولايات المتحدة حيال ما يجري في سورية على سبيل المثال؟ هل عليها لعب دور قيادي أم تترك الأمور للاعبين آخرين ليقوموا بالمهمة؟ وإن كان الجوب بالإيجاب عندها يتساءل البعض عن قدرة العامل الخارجي على إحداث التغير إن لم تكن الولايات المتحدة مشاركة وبقوة فيه.
يبدو أن الربيع العربي غير مرتبط بفترة معينة من العام بدليل أن الشارع العربي يزداد زخما وخاصة في سورية، وبالفعل بدأ كثير من المراقبين بمناقشة سيناريوهات الوضع في سورية بعد الأسد، على اعتبار أن بقاء هذا النظام بات موضع شك كبير بعد أن صمد الشارع السوري أمام آلة القمع، وبعد أن بدأت تركيا وربما بتنسيق مع دول مهمة أخرى في ممارسة الضغط على النظام السوري، فالأخير أخفق لغاية الآن في تسويق نظرية المؤامرة، وأن سورية تتعرض لمؤامرة بطلتها إسرائيل، فالشعب السوري الذي يقدم الشهيد تلو الآخر غير معني ببروباغندا النظام وأصبح تغيير النظام مطلبا شعبيا بامتياز.
النقاش العام في الولايات المتحدة بشأن الوضع العام في الشرق الأوسط والربيع العربي بشكل خاص لم ينته، فأمريكا المعروفة ببراغماتيتها وانتهازيتها السياسية تمر بمرحلة رد الفعل وغير قادرة على بلورة موقف واضح حيال ما يجري في الشارع العربي، وهذا يدفع البعض من المحللين والسياسيين لمحاولة رسم طريق لأمريكا لتتعامل مع الربيع العربي. وهنا نشير إلى لقاء زلماي خليل زاده على موقع مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك يتحدث فيه عن الربيع العربي وسورية وماذا على واشنطن أن تقوم به حفاظا على مصالحها. وفي حديثه عن الربيع العربي يقول إن الولايات المتحدة تقوم بعمل جيد فيما يتعلق بدعم المؤسسات غير الحكومية لدفع العملية الديمقراطية للأمام، كما امتدح دعم الولايات المتحدة للمجتمع المدني ولوسائل التواصل الاجتماعي مثل "الفيس بوك"، وهي بطبيعة الحال مسؤولة عن حشد التأييد لحراك الشارع العربي منذ أن بدأ الربيع العربي.
غير أن زلماي ليس راضيا عن أداء الولايات المتحدة في الفترة التي تعقب التغيير مباشرة، وهذا صحيح لأن الولايات المتحدة تتبنى مواقف تأخذ مصالح إسرائيل فيها في عين الاعتبار، الأمر الذي يفقد واشنطن كثيرا من مصداقيتها. وهنا ربما تعلم زلماي من الإحباطات والإخفاقات الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق عندما كان هو من ضمن المجموعة التي تصنع سياسة الولايات المتحدة، وربما لاحظ أن واشنطن لم يكن لديها القدرة على التعامل مع متطلبات ما بعد التغيير. وفي المقابلة انصب انتقاده على عدم قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الوضع بعد التغيير، وخاصة فيما يتعلق بوضع خريطة طريق تساعد الفصائل المختلفة في الدول التي يجري فيها التغيير على التوصل إلى توافقات وطنية تتعلق بالديمقراطية. فالدبلوماسيون الأمريكان في المنطقة غير مدربين على مهارات تسهيل وتيسير الحوارات التي تجري في الشارع العربي بشكل يساعد على التوصل إلى توافقات لمصلحة عملية التحول الديمقراطي. وهذا صحيح، خاصة في ظل الشكوك التي تحوم حول حقيقة الموقف الأمريكي، الذي يرى كثيرون في منطقتنا أنه أسهم في غياب الديمقراطية في منطقة العالم العربي وشمال إفريقيا.
ولكن هل على الولايات المتحدة أن تكون في عين العاصفة وأن تلعب دورا قياديا في حالة من عدم التيقن تلف مجريات ومستقبل التطورات في المنطقة، هنا نوه السفير زلماي بفكرة مهمة تتعلق بدور الولايات المتحدة في الربيع العربي، وهنا يجادل بأنه ربما ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو عملية التحول أن تقوم واشنطن بالدور القيادي، ويفضل أن تقوم الأمم المتحدة أو بعض الحلفاء بدور، مع إقراره بأنه في بعض الحالات لا يوجد بديل عن دور أمريكي قيادي فاعل وبارز، فإن على بلاده ألا تقف متفرجة. وهنا يشير إلى تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان عندما كان للأمم المتحدة دور بارز في حين كان دور الأمم المتحدة في العراق أقل، لأن أمريكا قامت بإدارة شؤون الدولة بشكل مباشر لوقت طويل. فالقضية من وجهة نظره تختلف من حالة إلى حالة، لكنه لا يقول لنا كيف أنه في الحالتين أخفقت أمريكا في إحداث التحول الديمقراطي، وأخفقت في تحقيق المصالحة الوطنية التي كانت وما زالت المتطلب الرئيس للاستقرار في العراق وأفغانستان لاحتواء كل حركات العنف مثل القاعدة.
ونظرة سريعة على مجرى الأحداث في الشرق الأوسط منذ بداية الربيع العربي تكشف أن هناك تسارعا في التحولات العربية، وهنا يرى زلماي أن الأولوية القصوى يجب أن تكون سورية بعد مصر. فبعد نجاح الثورة في مصر التي تعد حالة خاصة في حد ذاتها تستحق الاهتمام الأمريكي يرى زلماي أن لسورية وضعا جيوسياسيا مختلفا يحتم على الولايات المتحدة عدم إغفال ذلك. فسورية لها وضع خاص بسبب طبيعة التحالفات الاستراتيجية في المنطقة، فسورية لها علاقات خاصة مع حزب الله وإيران، وموقعها وتأثيرها على مسيرة الصراع العربي - الإسرائيلي، وكذلك عملية السلام الشرق أوسطية يجعل منها لاعبا مهما سيكون للتغيير فيه انعكاسات كبيرة على موازين القوى الإقليمية. فأي تغيير في سورية سيفضي إلى تغيير في سلوك سورية الإقليمي، وهو ما يعتبره زلماي أمرا جيدا، لأن سورية ستذهب بعيدا عن إيران، وهنا إشارة واضحة لرغبة الولايات المتحدة في تفكيك عرى التحالف بين العاصمتين طهران ودمشق.
الموقف من سورية مرتبط بفهم زلماي لانعكاس ذلك على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة، وهو بهذا لا يغرد بعيدا خارج السرب، فمصالح الولايات المتحدة قصيرة المدى تقتضي التعامل مع ملف الديمقراطية بالقطعة وحسب مصالح أمريكا وربما إسرائيل في كثير من الحالات، لذلك نجد زلماي يتفهم قلق الدول الحليفة لواشنطن بعد إخفاق الأخيرة في إنقاذ الرئيس حسني مبارك. وهو يرى أن موقف بلاده سيكون صعبا في حال وصول الربيع العربي إلى دول تعد حليفة للولايات المتحدة. فالدول المتحالفة مع واشنطن لم تعد تثق بمواقف أمريكا، لذلك يرى زلماي أن المطلوب في الفترة الحالية والمقبلة هو تعزيز الثقة بين واشنطن والعواصم العربية المتحالفة حتى يتسنى للولايات المتحدة دعم الإصلاحات في قادم الأيام دون أن يترك ذلك أثرا سلبيا في الثقة بين واشنطن والدول المتحالفة معها.
زلماي كغيره من الأمريكان يرى أن الدرس المستفاد من التحول الديمقراطي في كل من مصر وتونس هو أن الإخفاق في مساعدة التحول التدريجي يمكن أن يفضي إلى تحول ثوري كما حدث في مصر وتونس. لذلك ينصح زلماي بأن تسعى الولايات المتحدة لإصلاح العلاقة مع هذه الدول - التي يعد فيها الاستقرار يصب في مصلحة الولايات المتحدة - حتى يمكن فهم الدرس التونسي والدرس المصري لمساعدة الدول العربية الأخرى على الانتقال من حالة إلى حالة سياسية يكون جوهرها الإصلاحات السياسية.
وهنا يؤكد السفير زلماي خليل زاده مرة أخرى أنه لم يبتعد كثيرا عن تعليمات وفلسفة المحافظين الجدد الذي خدم في معيتهم في أفغانستان، وفي العراق ومن ثم مندوبا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، فهو يرى بن دعم نظام الرئيس مبارك لـ 30 عاما كان كافيا، غير أنه يشير إلى أن أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) قد أظهرت أن التحول الداخلي في الدول العربية هو المفتاح لمصالح أمريكا الأمنية في المنطقة. ويرى أن المعضلة الداخلية في هذه الدول التي أنتجت حالة من المراوحة فيها ظهرت للسطح مع أحداث الحادي عشر كمعضلة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، بمعنى أنه لم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تعض الطرف عما يجري داخل هذه الدول. هنا لا ينسى زلماي أن يشير إلى أن أمريكا لم تتمكن من الضغط من أجل نشر الديمقراطية لأسباب كثيرة. ويتحدث عن انشغال الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق، إضافة إلى نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أفضت إلى بروز "حماس"؛ كلها عوامل أسهمت في دفع الولايات المتحدة بعيدا عن أجندات التحولات الديمقراطية في مصر على أقل تعديل. فأحد الدروس المستفادة التي يتحدث عنها زلماي هو أنه كان على الولايات المتحدة الضغط بشكل أكبر لدفع الأنظمة في الشرق الأوسط لإحداث التحولات الديمقراطية والإصلاحات المطلوبة، لأن في ذلك خلاص للولايات المتحدة في المنطقة.
ولكن بما أن الربيع العربي قد طال مصر، فإن على الولايات المتحدة العمل بكل ما أوتيت من قوة لضمان نتائج التحولات التي أعقبت ثورة 25 يناير، فدرجة عدم التيقن هي عالية وجميع الاحتمالات مفتوحة وخاصة سيناريو الانكفاء والسقوط في ظل حكم سلطوي مرة أخرى. وبهذا المعنى فإن من مصلحة الولايات المتحدة أن تتحرك وبسرعة لضمان أن تنتقل مصر من هذه الفترة الانتقالية التي تسودها حالة من عدم التيقن لمساعدة المصريين لبناء نموذجهم الديمقراطي.
مقاربة زلماي ليست بجديدة وهي تعكس كثيرا من مقولات المحافظون الجدد - كما أشرنا - عندما بشروا بعصر الديمقراطية، غير أن هذه المقولات وإن احتوت على منطق قوي إلا أنها لم تتمكن من تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في دور إسرائيل في خلق حالة من المشاعر المعادية للأمريكان في المنطقة. صحيح أن هناك استياءً في عدد من الدول العربية لوقوف الولايات المتحدة بجانب أنظمة لم يعرف عنها أنها محبة للديمقراطية وحرية التعبير، غير أن الصحيح أيضا أن حالة العداء في الشارع العربي لأمريكا تراكمت عبر السنين ومتعلقة بموقف واشنطن السياسي من قضايا العرب الرئيسة وأهمها القضية الفلسطينية. فانحياز أمريكا لصالح المشروع الصهيوني القاضي بتهويد أجزاء كبيرة من أراضي الفلسطينيين يدفع بعض القوى السياسية لتبني مقاربات تستند إلى العنف. وللدقة يمكن القول إن عدم حل الصراع العربي - الإسرائيلي قد ساعد قوى سياسية متطرفة في عملية تجنيد متطوعين لاستهداف أمريكا أو مصالحها في المنطقة العربية. بمعنى آخر، الموقف المعادي لأمريكا ليس بسبب كره العرب والمسلمين للثقافة الغربية والأمريكية كما يحاول المستشرقون إقناعنا بذلك، وإنما بسبب سياسات أمريكا في المنطقة التي من ضمنها احتلال العراق.
وبعيدا عن مقولات زلماي التي لم تعد قادرة على تغيير الوضع الراهن وما يجري في الشارع العربي الذي بات يغلي ولن يقبل بأقل من التحرر من عقود من التبعية والسلطوية، بعيدا عن ذلك نقول إن افتراض المحافظين الجدد أن الديمقراطية العربية ستدفع شعوب المنطقة للتعاون مع الولايات المتحدة، وأن ذلك سيقلل من حدة العداء لها غير مستند إلى فهم لديناميكية الحب والكراهية في منطقتنا. فالقضية برمتها تتعلق بأمور أخرى لأن الشارع العربي لا يعادي القيم الغربية، وهنا نشير إلى كتاب البروفيسور شبلي تلحمي الذي نشر بعنوان "المخاطر"، والذي يتحدث فيه عن أن الغالبية الساحقة حتى في المجتمع السعودي لا تعادي أمريكا بسبب قيم الأخيرة وإنما بسبب سياساتها.
بمعنى آخر، فإن الديمقراطية العربية - وإن كانت ستدفع بنخب جديدة لتولي مسؤولية إدارة شؤون البلاد والعباد - فهي لن تؤدي إلى وصول قوى تمتثل لسياسات أمريكا، فعلى الأرجح ستكون الحكومات العربية معبرة بشكل مباشر عن مشاعر الشارع نحو كل من إسرائيل والموقف الأمريكي المتواطئ مع سياسات اليمين الإسرائيلي التي تضرب بعرض الحائط منطق السلام القائم على معادلة الأرض مقابل السلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي