استخبارات لساندويش الهامبرغر!
تستفيد أي دولة منتجة للسلع من ضعف عملتها، وأمريكا ليست استثناء من تلك المعادلة. وبين الأمس واليوم هناك تكرار لسيناريوهات اقتصادية تم توظيفها من قبل دهاة راسمي الخطط الاستراتيجية للبلاد. فأمريكا تزرع مساحات شاسعة من أراضيها بمختلف المزروعات لكنها في المقابل تتكلف أموالا طائلة لشراء البترول والطاقة. لذلك لجأت إلى أن تجلب الأموال عبر تصدير الطعام. تتضمن تلك العملية المرور بمراحل عدة تبدأ بإغراء المشترين بجعل مشترياتهم من المزروعات الأمريكية رخيصة، ولزيادة جاذبية سلعها تقرض الدول المحتاجة، ثمن شحنة الغذاء. وكمرحلة تالية، يتم اللجوء إلى رفع الأسعار عبر تخفيض الإنتاج عن طريق زراعة نصف الأراضي المخصصة لمحصول معين. وبذلك يقل المعروض في السوق وتشتعل الأسعار.
إن شعار "الغذاء مقابل النفط" هو من ضمن الخطط الاستراتيجية التي يقوم عليها اقتصاد العم سام. حيث إن كل محب جديد للهامبرغ أو اللحوم البقرية، سيكون ذو فائدة للدخل القومي الأمريكي. لكن هذه الاستراتيجية لا تقوم على تصدير الأغذية كمواد خام فقط. أي لا تقتصر الصادرات على حبوب الذرة والقمح وفول الصويا واللحوم وغيرها، بل تقوم بالدرجة الأولى على تغيير الأذواق وعادات الطعام لدى الشعوب الأخرى. لنأخذ القمح كمثال، فالمساحات المخصصة له هائلة، وتزود أمريكا العالم بأكثر من 40 في المائة من احتياجاته من هذه المادة. لذلك تسعى إدارة الزراعة الخارجية على تأمين أسواق تستوعب تلك الكميات.
تندرج في تلك الإدارة ثلاثة أفسام هي "استخبارات السوق"، "خدمة التجارة"، و"تنشيط المحاصيل". فإذا أرادت شركة زراعية أن تعرف معلومات حول سوق ما، عما إذا كانت ستربح، إذا وجهت محاصيلها ومنتجاتها الغذائية إليها، فإنها تلجأ إلى تلك الإدارة لتعطيها معلومات وافية حول الأذواق المحلية. كما أنها ترعى إقامة معارض حول العالم لصالح المنتجين الأمريكيين، وقد نجحت في إطلاق معرض على شكل سوبر ماركت بالحجم الطبيعي. ومن بين النشاطات الأخرى، التي ترعاها تلك إدارة الزراعة الخارجية، إقامة مدارس تعلم الناس كيفية الطهو بالقمح، خصوصا في المناطق التي لا تعتمد على تلك المادة في أغذيتها كاليابان والفلبين مثلا. يضاف إلى النشاطات السابقة، إطلاق حملات ترويجية لصالح لحم البقر، يتم توجيهها للفنادق الراقية والمطاعم السياحية. استطاعت هذه السياسة الزراعية التي ابتدأت عمليا منذ سبعينيات القرن الماضي في تسارع افتتاح محال الطعام السريع في كافة بقاع العالم، عبر تغيير الأنظمة التقليدية لفئة الشباب حول العالم.
إن الأهمية التي توليها أمريكا لساندويش الهامبرغر البقري عالية المستوى، فهذا أمز لا يقبل المساومة لأنه يدخل ضمن دخل البلاد القومي. وقد يكون من المفيد للشعوب العربية أن تتمتع بنفس حس المسؤولية باتجاه أطباقها التقليدية، حفاظا على صحتها وتراثها وإلى حد ما ميزانيتها المالية.