مثلث برمودا السعودي
مثلث برمودا (يعرف أيضا باسم مثلث الشيطان أو مثلث الرعب) هو منطقة على شكل مثلث يقع في المحيط الأطلسي. اشتهر المثلث بسبب عدة مقالات وأبحاث نشرها مؤلفون في منتصف القرن الـ 20 تتحدث عن مخاطر مزعومة ومجهولة السبب تتعرض لها السفن والطائرات التي تمر في هذا المثلث.
يشتهر مثلث برمودا بأنه منطقة خطرة تتجنبها الطائرات وذلك لوجود فراغات هوائية خطرة قد تسبب سقوط الطائرات، أو مرورها بأوقات صعبة من حيث السلامة وانسيابية الرحلة. ولقد أصبح هذا المثلث مثلا ومثالا للغموض والخوف التي يسمع به الكثيرون ويكتب عنه البعض شارحين ماهيته. حتى أصبح الخيال والواقع يتصارعان على فهم ودراسة حقيقة مثلث برمودا.
ولقد تراءى أمام عيني هذا المثلث عندما حاولت أن أصنف أهم القضايا التي يكتب عنها الكتاب السعوديين، أو تقييم أهم الأمور التي يدور حولها غالبا حديث المجالس في المملكة. إنني أزعم - وقد أكون على خطأ - أن هناك مثلثا يمكن تسميته مثلث برمودا السعودي له أضلاع ثلاثة هي: السعودة، وحقوق المرأة، والحرية الشخصية. فهذا الثلاثي يشابه ما يعرف عالميا بمثلث برمودا من حيث وجود المتناقضات حوله، فهو خليط بين الحقيقة والخيال، وبين التشاؤم والتفاؤل، وبين الحب والكره، وبين الحق والباطل، وبين العلم والجهل. إنه كتلة غامضة الكل يشعر بها والكل يحاول أن يفهمها والكل يبحث عن حلول واقعية لها، ولكن الأكثرية لا ترى نورا في النفق المظلم بينما توجد أقلية ترى أن لا مشكلة دون حل، وأن العلماء والتنويرين قادرون على فك طلاسم وغموض مثلث برمودا السعودي.
ومثل ما نسب الجهلة وجود مثلث برمودا الحقيقي للجن والسحر والقوى الخفية الغامضة، فإن مثلث برمودا السعودي يعاني هو الآخر من الجهلة والمنتفعين الذين يقفون أمام أي حلول ويضعون العراقيل في طريق الإصلاح، وقد يستنجدون في سبيل ذلك بشيء من التخويف وإيجاد حالة فزع من المستقبل. أي أنهم يدخلون من يسمع لهم في حالة نفسية تشبه من يدخل إلى مكان يسوده الظلام الدامس لمعرفتهم أن الظلام هو الأنسب لخلق حالة الخوف وتصور الشياطين والجن. فأضلاع مثلث برمودا السعودي صيغت حولها الخرافات والتخويف من العواقب الشيء الكثير مثل إعداد ورواية قصص القبور التي فتحت بعد ردمها، ووجد من فيها بأحوال غير طبيعية نتيجة سلوكهم المخالف (لتوجهات رواة القصص) مثل ارتداء ألبسة معينة أو قراءة كتب معينة أو ممارسة بعض النساء لجزء مما يعرف بالحقوق العالمية للمرأة أو مشاهدة فيلم سينمائي في دولة مجاورة. والقائمة لدينا طويلة من ممارسة سلوكيات حذر ويحذر منها مطلقي القصص المزعومة. ويدخل في ضبابية مثلث برمودا السعودي قصص وروايات بعض أصحاب الأموال ومريديهم من عدم كفاءة الشباب السعودي للأعمال الموجودة في الاقتصاد السعودي، أو التخويف من هجرة رؤوس الأموال السعودية إلى الخارج لو فرض على أصحابها توظيف السعوديين في شركاتهم ومشاريعهم. إن مكونات مثلث برمودا السعودي وما ينسج حوله من خزعبلات وتخويف وإيجاد حالة رهاب اجتماعي وضبابية الحلول تعاني مثل ما يعاني برمودا الحقيقي من روايات وأفكار وخيالات تجعل ضعاف القلوب ومن لا يتحلون بالشجاعة الابتعاد عنه مؤثرين السلامة. ولكن المشكلة أن مثلث برمودا الحقيقي محدد ومحدود بمساحة معينة لا يوجد فيها بشر، أما مثلث برمودا السعودي فهو واقع إنساني يعج بالبشر الذين يحتاجون لفك طلاسمه وكشف زوايا غموضه ودراسته على أيدي العلماء المتخصصين وعدم تركه روايات وقصص الجهل والتجهيل وطغيان المصالح الخاصة مادية كانت هي أو فكرية.
إن مجتمعنا السعودي يدور في حلقة مفرغة منذ أكثر من 40 عاما في هذا الثلاثي الذي لم نستطع أن نتجاوزه: السعودة، حقوق المرأة، والحرية الشخصية. كلنا يتحدث عن هذه الأمور ولكننا لا نزال واقفين في محلنا لم نبرحه وكأن حياتنا دائرة - كما ذكر أحد الكتاب - الكل يدور فيها دون أن يصل إلى جهة محددة. نعم هنالك محاولات هنا أو هناك يقوم بها المتنورون والمخلصون ولكنها استثناءات والاستثناء لا يلغي القاعدة.
وعندما تصل أي مشكلة إلى مفهوم الدائرة المغلقة فإن الحل الوحيد هو كسر الدائرة وإلا لأصيب من يقع داخلها بالدوار من كثرة الدوران وبالتالي الإغماءة التي تطول وتقصر حسب الحالة الصحية.
إن كسر الدائرة المغلقة التي يعيش فيها النقاش أو نزع أضلاع المثلث وتحويلها إلى خط مستقيم هو مسؤولية الحكومة، فهي القادرة على إحداث التغيير. فهذه مسؤوليتها المهنية والأخلاقية، فلولا وجود الحكومات لضاعت الحقوق وتناحر المتنافسون. أي حكومة في العالم هي الضابط لإيقاع مجتمعها وإخراجه من دائرة الجهل والظلم وأكل الحقوق.
إن مثلث برمودا السعودي (السعودة، حقوق المرأة، الحرية الشخصية) أصبح يثقل كاهل المجتمع أفرادا وجماعات وأصبح مثل أسطورة مثلث برمودا الحقيقي يبتلع الموارد والمقدرات المالية والفكرية وأصبح من يمر من خلال هذا المثلث معرض للاختفاء المعنوي.
ماذا لو؟
ماذا لو تفرغ مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني خلال السنة المقبلة للقضايا الثلاث المقلقة لمسيرة التنمية السعودية وهي: السعودة وحقوق المرأة والحرية الشخصية. والخروج بأولويات ومبادئ وبرامج تضمن في وثيقة وطنية ملزمة للجميع أفرادا ومؤسسات.