المرونة الوطنية
تذكر إحصائية سكانية أن 5 في المائة من سكان المملكة فوق 65 عاما، بينما نحو 50 في المائة أقل من 20 عاما، يقابل ذلك كبر سن أغلب المسؤولين في الجهاز الحكومي، فهناك فجوة كبيرة بين قاعدة سكانية شبابية وبين وظائف حكومية عليا، بل إن هذه الظاهرة امتدت إلى القطاع الخاص بحكم التقليد والتكيف، فنجدها في المصارف والصحافة على سبيل المثال. ليس هناك من رمزية لهذه الإشكالية أكبر من حقيقة أننا وصلنا مرحلة جديدة، حيث أبناء العديد من الوزراء أكبر من بعض الوزراء في الدول الغربية، وفي نظري هذه الإشكالية تعبير عن هيمنة القطاع الحكومي على الاقتصاد، وأهمية الأفراد على حساب الكفاءة والقدرة.
النظرة العميقة للظاهرة تجعلنا نفرق بين أسبابها وبين النتائج المترتبة عليها، فالخلط بين تلك وذاك يحمل سوء فهم، وبالتالي الخطأ في التشخيص والحل والمتابعة في التجربة.
الاستقرار الوظيفي وشبكة العلاقات الشخصية هما أحد أهم مضامين العمل الحكومي، المراهنة على الوجوه المألوفة، وعدم أخذ المخاطرة، واستعداد الموظف الحكومي للاستمرار مهما تقدم به العمر هي السمات الملاحظة دائماً. سيطرة القطاع الحكومي وتهميش دور القطاع الخاص يجعلان من الاستقرار الوظيفي والادعاء بالمراهنة على الخبرة نتيجة حتمية. ناهيك أن هناك مقولة بالإدارة تذكر أن الكثير من هؤلاء لديهم خبرة سنوات قليلة مكررة لسنوات طويلة. أحد مصادر الإشكالية أنه يصعب رصد أدائهم ما دام القطاع الحكومي مسيطراً ومترهلاً. فمثلاً يستمر الوزير ومن على المرتبة الممتازة بنفس الراتب حتى لو خدم سنوات قليلة، وهذا يكلف الكثير ويجعل الحرص على المنصب هدفاً في حد ذاته، لذلك هناك عيوب إدارية هيكلية تتعدّى حتى قياس الأداء.
بعثت المملكة أكثر من 100 ألف طالب وطالبة، وهناك أضعافهم في الجامعات السعودية، ولعل من أكبر المخاطر هو يأس الكثير من هؤلاء في الحصول على مركز متقدم وظيفياً يتناسب مع قدراتهم الطبيعية ومهاراتهم. لذلك حان الوقت لإعادة التفكير في التجديد وإعطاء الفرصة والقبول بالمنافسة الشريفة للكل وإعطاء الاقتصاد السعودي المرونة اللازمة وربط أوثق بين القيادة الإدارية والقاعدة العريضة.
ما الحل؟
ليس المراد المراهنة على الأشخاص، فإذا كان القطاع الحكومي هو المسيطر، فإن الأشخاص لن يكون أداؤهم مختلفاً جذرياً عن بعض، كما أثبتت التجارب، فالآلة الحكومية أكبر منهم جميعاً، وأداؤهم لن يكون بعيداً عن وتيرة هذه الآلة. لذلك فإن الحل هو مزيد من التخصيص الفاعل الجوهري، إذ يقلل أعداد موظفي الحكومة ويتجه المواطن إلى القطاع الخاص بعد حمايته بتقليل الاستقدام. في المدى القصير يستحسن إيقاف كل تمديد لمن تعدّى سن التقاعد مهما تكن الأسباب، لأن فتح الباب للأسباب يجعل من الباب دواراً لا تعرف الداخل من الخارج. وثانياً إيقاف راتب الوزير كغيره بعد الوظيفة واعتماد راتب التقاعد مثل جميع البلدان، وأخيراً قصر التجديد لأكثر من ثماني سنوات على 5 في المائة من كبار الموظفين فقط.