رؤية لصناعة النقل الجوي السعودي (3)
يسألني الكثير عن سر نجاح ''طيران الإمارات'' الذي ينافس ويتفوق على العديد من الخطوط العالمية رغم عمره القصير. ولاختصار الشرح ولكون الكثير من المتسائلين ليسوا من أهل الاختصاص، فإني دوما آتي بإجابة مختصرة مفادها أن هناك مصدرا واحدا له القرار، هذا المصدر لديه رؤية ولديه هدف، وأخيرا - وهو الأهم - أن الجهاز كله من خطوط جوية ومطارات وشركات مساندة كلها تعمل ضمن استراتيجية واحدة. تذكرت هذه الميزة، وهي (تكامل المؤسسات) وأنا أسترجع تصريحا للهيئة العامة للطيران المدني بخصوص مطار الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز في محافظة العلا، الذي يفيد فيه بأن تشغيل المطار من مسؤولية الناقل الوطني، ويقصد ''الخطوط السعودية''. الجدير بالذكر أنه تم إنفاق مئات الملايين من الريالات لبناء مطار العلا ومضى على افتتاحه سنة وهو لا يعمل، ما يعني هدرا آخر للأموال نتيجة تآكل العمر الافتراضي للمنشأة وعدم إنتاجيتها. يبدو أن المطار تم إحداثه أصلا لخدمة صناعة السياحة لآثار مدائن صالح التي بدورها تتكامل مع مؤسسات حكومية أخرى لتسهيل استقطاب السياح من الخارج، خاصة الأوروبيين الذين يهتمون بالآثار القديمة. في عالم صناعة النقل الجوي اليوم تتسابق شركات الخطوط بحثا عن الوجهات الجديدة التي تكفل لها نسبة إشغال مجدية وعوائد بيع مرتفعة، وهذا من طبيعة المؤسسات التجارية، كما أنها تدفع الكثير من المال مقابل رخص الهبوط في المطارات ذات العوائد الكبيرة كمطار هيثرو في لندن. وتتفاوت قيمة رخصة الهبوط في المطار نفسه بعوامل أهمها وقت الهبوط والإقلاع، حيث يؤثر وقت الرحلة خلال اليوم في زيادة الطلب على تلك الرحلات. كما أن الخطوط الناجحة تسارع إلى وقف الرحلات إلى مطارات تنخفض نسبة إشغال المقاعد فيها دون حد الربحية لتلك الرحلات. إنفاق الأموال لإنشاء مطار جديد تمر عليه سنة كاملة دون رحلات مجدولة، وبقاء الصالة (4) في مطار الرياض مغلقة رغم الحاجة إلى تنمية الحركة الجوية لعاصمة المملكة بالوجه اللائق بها دوليا وإقليميا ومحليا، هو مثال يعكس غياب رؤية استراتيجية لصناعة النقل الجوي في المملكة، حيث الإنفاق المالي لا يعتمد على دراسات منهجية لطاقة المطارات الحالية والمستقبلية.