الديون الأمريكية.. أزمة أخلاقية
في كل أزمة اقتصادية حادة تعصف باقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية، كانت ثمة تحليلات تصدر وتناقش هذه الإشكالية، لكن من بين هذه التحليلات استمرار الحديث عن أمرين، الأول - أن أمريكا بحاجة ماسة لإعادة النظر في منظوماتها القيمية والأخلاقية الضابطة للعمل السياسي والاقتصادي، وهذا يعني أن بنية النظام السياسي تحتاج إلى إعادة النظر. والثاني - في أزمة الثلاثينيات والأزمة الأخيرة لعام 2008م التي أضرت بالاقتصاد الأمريكي وتجاوز الدين (10 تريليونات دولار) وزادت نسبة البطالة إلى (9.2 %)، ما جعل بعض المحللين المتخصصين يخرج ويقول إن أمريكا بحاجة إلى قيم أخلاقية جديدة وتحدثوا عن فقدان الضوابط الأخلاقية للعمل الاقتصادي والرأسمالي.
ضمن هذا المعيار وتطبيقا على أزمة الدين الأمريكي الذي تجاوز (14 تريليون دولار) فالقضية أبعد من ذلك بتصوري كونها تتعلق بالمنظومة القيمية والأخلاقية للنشاط الاقتصادي والسياسي الأمريكي، فهي قضية تتعلق بضرورة استقلالية مؤسسات الدولة وضوابطها وشروطها وبين ضوابط وشروط القطاع الخاص، وأصبحت قضية الدين الأمريكي انعكاسا لصراعات حزبية بسبب غياب الضوابط القيمية والخلافية وغياب مفهوم الدولة وشروطها وعناصرها الرئيسية، ولنا عبرة في بعض دولنا العربية التي دخل (البزنس) في خط السلطة وكيف أخفقت وخلقت مزيدا من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لذا فالكثير من الاستشاريين الاقتصاديين يرون أن أزمة الديون الأمريكية تنذر بخطر وكارثة اقتصادية خطيرة قد تتسبب في خفض الحكومة الأمريكية لنفقاتها بواقع 40% لتسوية المديونية، وقد تضرب التنمية الاقتصادية والاستثمارية في جميع أنحاء العالم وتضعف من قيمة الدولار الذي فقد الكثير من قوته مقابل العملات الأخرى، كما أنها قد تحد من تقدم المشاريع الصناعية والاستثمارية والاقتصادية وقدرة الدول والحكومات والشركات على الوفاء بالتزاماتها وخاصة الدول التي قد تتعرض للهيب الأزمة المالية مثل الصين وأوروبا والدول المنتجة للنفط، وقد تمتد هذه الأزمة المالية إلى بقية دول العالم وتزيد من القلاقل في بعض الدول التي تعاني الكساد الاقتصادي.
ما يحدث في أمريكا ينعكس دائما على اقتصاديات العالم نظرا لقوة ونفوذ الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل 45% من اقتصاد العالم، وأصبحت العولمة مترابطة ومتشابكة وجعلت أمريكا ترتبط بالعالم اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، لذلك فإن الانعكاسات المرتقبة من أزمة الدين الأمريكية ستكون كبيرة ومؤثرة على دول العالم وخاصة تلك الدول التي وضعت معظم استثماراتها في السندات الأمريكية ربما تتعرض لانتكاسة مالية ومما يجعل الطلب على النفط يتراجع وتهبط أسعاره إلى مستويات متدنية وتعيق تقدم المشاريع البترولية والصناعية في الدول المنتجة للنفط خاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
هذه اللعبة الاقتصادية التي تلعبها أمريكا في اقتصاديات دول العالم ربما يكون قد خطط لها لتحد من أضرارها على الاقتصاد الأمريكي، وتجعل ديونها تتبخر ولن تسدد للعالم دولارا أو سنتا واحدا، بل ستتضرر الدول المعنية التي ضخت معظم استثماراتها في أمريكا مثل الصين وأوروبا والدول المنتجة للنفط، وسوف يهبط الدولار إلى الهاوية ويؤثر على عملات تلك الدول والذي سوف يقود إلى ارتفاع أسعار الذهب، لأن هذه العاصفة المالية القادمة من أمريكا خطيرة جداً ولا بد من الحذر منها أشد الحذر والبحث عن الحلول اللازمة لحماية اقتصاد دول العالم من نتائجها وخاصة استثمارات تلك الدول التي ترتبط بالعالم الخارجي أكثر من ارتباطها بالداخل.
ملخص القول كيف يمكن الاستفادة من هذه الأزمات الاقتصادية العالمية خاصة وأن العالم أصبح قرية صغيرة ومتشابكا ومعلوما في أمنه ومعلوماته وإعلامه، ولهذا فنحن شركاء في الاقتصاد العالمي وشركاء في أزماته، وهنا يجب إعادة النظر في جميع السياسات المالية والاقتصادية من قبل المشرفين على المال والنقد في دول مجلس التعاون الخليجي، والسعي إلى توجيه تلك الاستثمارات نحو الداخل والدول العربية والإسلامية المستقرة اقتصادياً سياسياً، وذلك لحماية اقتصادياتها والتخفيف من حدة انعكاس الأزمة المستوردة عليها، والسعي إلى خلق تكامل اقتصادي خليجي من خلال التركيز على الاقتصاديات الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي وتنويع مناطق الاستثمارات الخارجية في البلاد الآمنة.