في السويد ترى إسلاما بلا مسلمين
''رأيت إسلاما ولم أر مسلمين'' عبارة شائعة يكتبها أو ينطقها العرب والمسلمون كي يقاربوا ويقارنوا بين مجتمعهم الذي يرونه بعيدا عن الإسلام كسلوك وحضارة وأخلاق، ومجتمع آخر غير مسلم، لكنه يمتلك الخلق السليم والسلوك الصائب وحضارة متمدنة.
وقبل أن أدخل في خضم هذا الموضوع بودي أن أوضح لقرائي الكرام حقيقة تاريخية غابت أو غُيبت عنهم وقلما يذكرها التاريخ والمؤرخون، ولا سيما المستشرقين منهم.
معظم كتب التاريخ الإسلامي، ومنها المناهج المدرسية في الدول العربية والإسلامية، تتحدث بإسهاب عن انتشار الدعوة الإسلامية. وقارئ هذه الكتب يخرج بحصيلة مفادها أن الإسلام انتشر عن طريق الفتوحات التي يسميها المستشرقون الغزوات، ولولاها لبقيت الدعوة محصورة في الجزيرة العربية.
هذا صحيح من ناحية وغير صحيح من ناحية أخرى. الفتوحات حقيقة تاريخية، ولكن لو أن انتشار الإسلام اعتمد عليها فقط لكان عدد المسلمين اليوم لا يتجاوز نحو 500 مليون شخص، إذا أخذنا في عين الاعتبار الأمصار التي وصلت إليها جيوش المسلمين. واليوم قد يقارب عدد المسلمين 1.500 مليون.
فكيف دخل ألف مليون شخص آخر الإسلام؟
لم يحاول المؤرخون والمستشرقون الإجابة عن هذا السؤال. إجابته تدحض النظرية الغربية القائلة إن الإسلام انتشر عن طريق العنف والقتال، لأن أجداد ثلثي المسلمين اليوم قبلوا الإسلام دينا ولم تطأ أراضيهم قدما جندي مسلم واحد.
من أقنع سكان هذه الأمصار بدخول الإسلام أفواجا؟ وكيف حدث ذلك؟
الرقعة الجغرافية التي أعنيها هي منطقة جنوب شرق آسيا برمتها ومعها شبه الجزيرة الهندية، حيث توجد الأغلبية الساحقة للمسلمين. هؤلاء دخلوا الإسلام تيمنا بأخلاق المسلمين الحسنة وتعاملهم الإنساني وسلوكياتهم السليمة وأمانتهم وحرصهم وأسلوب تعاملهم الراقي. المسلمون وصلوا هذه الأمصار عن طريق التجارة وكان التجار المسلمون نموذجا بين أقرانهم لا يؤدون الفروض والطقوس فقط، بل يطبقون الإسلام كسلوك وتصرف وحضارة إنسانية راقية.
هؤلاء التجار من المسلمين، وعكس رفاقهم الآخرين من الأديان الأخرى، لم يعرفوا الكذب والفحشاء والتعدي والسرقة والظلم والحصول على المال بطرق غير مشروعة. كانت الناس تأتمنهم ولم يخونوا الأمانة، وبخلقهم الحسن والرفيع استطاعوا جذب هذه الشعوب صوب دينهم ودخلوا فيه أفواجا، لدرجة أن المسلمين يمثلون الغالبية اليوم في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وبنجلادش، ويقارب تعدادهم 200 مليون شخص في الهند وهم في ازدياد مطرد.
اليوم الوضع مختلف لأننا نرى العكس في كثير من الأمصار والمجتمعات الإسلامية، ولا سيما الشرق أوسطية منها. أي بمعنى آخر ''نرى مسلمين ولا نرى إسلاما''. وهذا ينطبق بدرجة كبيرة على المسلمين في دول متحضرة مثل السويد، حيث إنك تستقي الخلق الحسن والأمانة والإخلاص والصدق والزهد وكل الخصائل الحميدة التي يدعو إليها الإسلام من سلوك وطريقة تصرف المواطن السويدي الملحد، وليس المواطن الشرقي إن كان مسلما أو مسيحيا.
على المستوى الفردي السويدي قلما يكذب، لا يغش، لا يعتدي، صادق في أقواله، أمين، لا يسرق، لا يخبئ ثروته عن جابي الضرائب، يقول الحق ولو كان المتضرر زوجته أو ابنه.
وتنسحب هذه الأخلاق على المستوى المؤسساتي وتتبارى المؤسسات من رئيس الحكومة وحتى مدير شركة صغيرة في تطبيقها، ونادرا ما ترى شخصا أو مؤسسة تنتهك السلوك الاجتماعي السليم، الذي يقارب بشكل كبير ما كان لدى التجار المسلمين الذين على أيديهم أسلمت شعوب بأكملها في جنوب شرق آسيا.
الأخلاق الحسنة والسلوك السليم الذي يرضي الله والضمير الإنساني متأصلة في الدعوة الإسلامية، ولا حاجة إلى اقتباس نصوص من القرآن أو السيرة أو الحديث للبرهنة على ذلك.
كيف ارتقت السويد إلى هذا العلا في السلوك والحضارة ولا كتاب لديها؛ لأن لا الفرد ولا المؤسسة ترى في كتاب عيسى أو موسى دليلا يمكن الاعتماد عليه في بناء الحضارة الإنسانية! ولماذا تخلفت الدول والمجتمعات الإسلامية عن أداء هذا الدور الحضاري ولا تزال لحد اليوم تقول إنها تأخذ كتابها السماوي نبراسا؟
سأحاول الإجابة عن هذا السؤال المهم الذي يؤرقني كمحب للمسلمين وقرآنهم، وأنا متأكد أنه يؤرق كثيرا من المسلمين أيضا، في رسالة قادمة - بعون الله.
وحتى ألتقيكم في الأسبوع المقبل، تقبلوا مني أحر التهاني بحلول شهر رمضان المبارك، آملا أن يعيده الله عليكم وأنتم قد حققتم قفزة كبيرة في سلم الحضارة والمدنية.