عودة سيناء إلى بؤرة السخونة والتوتر

شبه جزيرة سيناء تمثل سُبع أراضي مصر، وهي الحد الشرقي المتوتر دائما بسبب جواره مع العدو الدائم إسرائيل. وقد تعجب كثير من المصريين والعرب من عدم إقدام رؤساء مصر جمال عبد الناصر وأنور السادات وحتى مبارك على تعميرها، وإيجاد حاجز سكاني خرساني بينها وبين إسرائيل وبين مصر وإسرائيل. حتى راق للبعض أن يعزي ذلك لأوامر عليا من واشنطن، بينما أرجعها الخبراء إلى سوء الرؤية لدى حكام مصر مما أفقدهم حرب 56 و67 وأجهض انتصارهم في 1973.
والطريف أن إسرائيل بالدعاوى التلمودية والتورانية والرومانية تعتبر سيناء أرضا إسرائيلية محتلة، وتنضح صحفهم بمفاهيم على غرار هذا المعنى.
والمؤسف أنه بعد جلاء إسرائيل عن سيناء بقي لها وجود ومصالح ومسمار جحا، فهي تحصل على نفط سيناء وغاز سيناء ورمل سناء ولها مزايا سياحية على رأسها عدم الحصول على تأشيرة دخول إلى المرافئ والشواطئ والبقاع السياحية والتغلغل مع بعض القبائل في سيناء التي تحصل على فوائد جمة منذ الاحتلال وحتى الآن.
وإذا جمعنا مدلول الأحداث سوف نميل إلى القول إن إسرائيل تحلم بضم سيناء أو على الأقل جعلها ساحة خلفية آمنة للإسرائيليين.
وقد جاء الهجوم على خط أنابيب الغاز منذ عشرة أيام في منطقة العريش بشمال سيناء كخامس هجوم من نوعه على امتداد الشهور الستة الأخيرة، وحسبما ورد في التقارير الصادرة عن الحادث فإن أربعة رجال ملثمين اخترقوا محطة الغاز ونسفوها وهربوا دون أن يعرف أحد شيئا عن هويتهم. وقد أسفر الانفجار عن أضرار بالغة لخط الأنابيب بصورة زادت عن الأضرار التي وقعت بسبب الانفجار السابق الذي وقع قبل أسبوع من الانفجار الأخير.
ورغم عدم إعلان أي منظمة عن مسؤوليتها عن الحادث أو ما وقع قبله فإن جميع الهجمات اتبعت الأسلوب نفسه. ومن هنا أشارت أصابع الاتهام في مصر إلى المنظمات الإرهابية التي تقيم في قطاع غزة ومنها ''التوحيد والجهاد'' و''جيش الإسلام''، ولكن التحقيقات النهائية لم تقدم قائمة بالعناصر التي ارتكبت الحادث، ولم يتضح بعد دور العناصر السلفية الفلسطينية في التفجيرات، كما لم يتضح ما إذا كانت عناصر مصرية معارضة لعبت دورا في ذلك، بل إن الإشاعات تتحدث عن مشاركة مصرية بهدف تعديل الاتفاقات المجحفة التي وقعها الرئيس أنور السادات وباركها وحماها الرئيس حسني مبارك.
وعلى أية حال فإن طبيعة الهجمات واختيار الأهداف وتوقيت الهجوم ونجاح مرتكبي العمل في الهروب الناجح في جميع الأحوال يشير إلى أن الذين قاموا بذلك استغلوا الفراغ الأمني والحكومي بعد تنحية الرئيس السابق حسني مبارك والضعف الواضح لقوى الأمن والتي تركز جهودها على المدن الرئيسة.
ولا خلاف على أن اختيار الهدف ــ وهو خط الأنابيب يرجع بصفة أساسية إلى دوره في إيجاد علاقات اقتصادية ثابتة ومستمرة بين مصر وإسرائيل، وأن من قام بالهجوم يرمي إلى نسف هذه العلاقة. لذلك كان من المتوقع أن تدق إسرائيل طبول التوتر فإذا بنا نقرأ فيما يصدر عن إسرائيل أن سيناء أصبحت مصدر تهريب منتظم وعلى نطاق واسع للأسلحة المتطورة إلى قطاع غزة، مما جعل منطقة سيناء وعلى حد تعبير إسرائيل منطقة تحدٍ أمني، لأنه من المتوقع أن يستمر الاسترخاء الأمني المصري في سيناء، مما يشجع عناصر عديدة على أن ترتع وخاصة بعض المنظمات الإسلامية التي ترى في مساحات سيناء الشاسعة ملعبا رحبا لخططها، وتقول صحف إسرائيل أيضا إن اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل تتعرض الآن لضغوط محلية هائلة لتعديلها أو إلغائها، بل إن وزير البترول المصري السابق يتعرض للمحاكمة بتهمة ''إهدار المال العام'' بقيمة 714 مليون دولار، وقالت صحف إسرائيلية أخرى إن هناك عملية إعادة تقييم لاتفاقيات تصدير الغاز إلى إسرائيل بهدف زيادة عائدات مصر. وفي أوائل الشهر الماضي أعلن وزير المالية المصري عن عزمه رفع سعر الغاز المصدر إلى إسرائيل بقيمة 2.5 مليون شيكل، بل إن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نشرت أن مسؤولا مصريا صرح بأن الهجمات ستستمر ما لم يجرِ إلغاء الاتفاقات الحالية.
ويقول الإسرائيليون إنه دون تغيير هذه الاتفاقات فإن الضرر وقع وتشعر به إسرائيل، إذ إنه نتيجة للتوقف والانقطاع في واردات الغاز تضطر إسرائيل إلى استخدام النفط والديزل. وقد أعلن وزير البنية التحتية عوزي لانداو أن أسعار الكهرباء سترتفع بقيمة 20 في المائة، وقد أعلنت شركة إسرائيل للكهرباء أن تكلفة هذه التغيرات قد تصل إلى خسائر تتراوح بين ثلاثة ملايين وثلاثة ملايين ونصف المليون شيكل للاقتصاد الإسرائيلي.
وقد انطلقت وسائل الإعلام الإسرائيلية وهي مهتمة بفهم ما يلي من قرارات إلى العزف على وتر الاستعداد للأسوأ بقولها إن المخاطر الأمنية الحالية تعني مزيدا من التخوف بسبب الموقف الجديد في مصر. لأن سيناء في رأيهم ولغياب مصر ستصبح أرضا بلا صاحب، حيث تزداد فرص المناورة لدى المنظمات الإرهابية، وفي هذا الصدد أعلن الجنرال أفيض كوشافي رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي أن قوات الأمن المصرية تفقد السيطرة على منطقة سيناء، مما يثير قلقنا حول زيادة العمليات الإرهابية في سيناء، ومعظم هذه العمليات هي نوع من التحدي السافر للسيطرة المصرية''. وضرب كوشافي أمثلة أخرى عندما قال إنه في كانون الثاني (يناير) الماضي هاجم البدو المسلحون بصواريخ مضادة للدبابات قسم شرطة الشيخ زويد بجوار قطاع غزة وبعدها بأربعة أيام هاجم هؤلاء مقر مباحث أمن الدولة في رفح وأحرقوه تاما، وفي أيار (مايو) هاجمت مجموعة من البدو ميناء نويبع ومنعوا حركة المسافرين والبضائع. ووردت بيانات عن وجود نحو 400 من نشطاء القاعدة في تدبير وتخطيط هذه العمليات في مصر وسيناء بالذات.
وقد لاحظنا أن الإعلام الإسرائيلي يدور ويحوم حول فكرة الانهيار الأمني المصري، ومن ثم اتسع المجال أمام تهريب الأسلحة إلى غزة، وحول عدم التزام مصر ببناء الجدار العازل لمنع التهريب حسب الاتفاقية الموقعة بين مصر وإسرائيل أن تبني مصر جدارا عند ممر فيلا ديلفي، ويقول الإسرائيليون كذلك إن بدو سيناء قاموا بتهريب الصواريخ إلى إسرائيل عبر رفح، مما زاد عدد الصواريخ من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف، إلى جانب كميات من المتفجرات المتطورة التي بلغ حجمها ثلاثة أضعاف ما تم تهريبه عام 2010.
ويظهر لنا بوضوح بداية القصف الإعلامي المبدئي الذي ينعش الأفكار القائلة إن هناك مخططا إسرائيليا تجاه سيناء في غياب الانتباه المصري ومع زيادة ضغوط بدو سيناء الذي يصرون على أنهم أصيبوا بخسائر فادحة من جراء التغطية الأمنية السابقة. ويطالب جنرالات إسرائيل بإجراء فحص وبحث عميق للعلاقات المصرية ــ الإسرائيلية والترتيبات الأمنية المشتركة إذا كان للعلاقات أن تستمر على منوالها السابق الذي جعلها جبهة آمنة لإسرائيل على امتداد 30 عاما. ومع توقع إسرائيل لاستمرار تمسك المصريين بالمعاهدة فهم يتشككون في رغبة وقدرة الحكومة المصرية على كبح جماح النشطاء الرافضين والمعارضين، ولذلك فمن المتوقع أن تقدم إسرائيل على خطوات تسميها ''احترازية''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي