هل الذهب في نهاية المشوار؟

وصل سعر الذهب الى مستوى عالي جديد حين تخطى 3400 دولار للأونصة، يبدو أن السعر في حالة استقرار أو حتى تراجع بسيط و تذبذب مع أخبار التجاذب التجاري وارتفاع حالة عدم اليقين عالميا وربما حتى شبح التضخم. أغلب الناس سيستنجد بتفسير بأن الذهب دائما يعتمد عليه قياسا على أداء السعر كاستثمار وأنه أفضل وسيلة للحماية من التضخم، خاصة أن الأغلبية تحكم من التجربة القريبة في سلم الزمن. لكن التجربة غالبا تفاجئهم حين أقول أن الموضوع أكثر تعقيدا، وفي أغلب المتداول عنه خطأ. لتفكيك الموضوع لابد من الرجوع للتاريخ.
يعود استخدام الذهب كعملة إلى ما قبل الميلاد ولذلك هناك تجربة طويلة أحيانا نتعلم منها وأحيانا تزيد الغموض. القيمة الحقيقية للذهب( السعر ناقص التضخم) مستقره على مدى قرون، فمثلا راتب الضابط في الجيش الروماني كان نحو 38 أونصه بينما راتب الكابتن الأمريكي بخدمة 6 سنوات اليوم مقيما (بمتوسط سعره في السنوات القليلة الماضية) يعادل 86 ألف دولار سنويا.
فلم يتغير كثيرا بالذهب. الإشكالية حين نقارن بين المدى البعيد جدا والمدى المقبول في حياة الفرد. لذلك العائد الحقيقي على الذهب استثماريا نحو صفر في المدى البعيد، و لكن في المدى القصير و المتوسط التذبذب يجعله يبدو مربحا استثماريا و لكن ليس الأكثر فاعلية للحماية من التضخم. فالذهب أكثر تذبذبا من التضخم. فتذبذب التضخم في الـ20 سنة الماضية نحو 1% في السنه مقابل 15% للذهب ما يعادل تقريبا تذبذب مؤشرS&P 500 للأسهم.
في آخر 10 سنوات أداء الذهب أعلى من التضخم و لكن في الـ10 التي سبقتها كان التضخم أعلى من ارتفاع الذهب. لذلك الذهب يجاري التضخم في المدى البعيد جدا فقط، و بالتالي غير مناسب لتوظيفه كحماية من التضخم. بالتالي ربما الأنسب كوسيلة متاجرة و ليس استثمار خاصة أنه لا يدر عائدا إلا من خلال إقراضه لكن هذا تعقيد آخر له مخاطره وعمليا غير مجدي للأغلبية.
أحد أسباب ارتفاع سعر الذهب في المدى المتوسط بدأ من 1975 مع السماح للأمريكيين من تداول الذهب بعد الانفصال بين الذهب والدولار في 1971، كذلك الذهب كان عليه قيودا في بلاد كثيرة مثل الهند و باكستان و الصين و بلدان أخرى. أيضا منذ 2005 بدأ منتج الصناديق التي تمثل الذهب وقابلة للمتاجرة و الاستثمارات الصغيرة من خلال كثير من الوسطاء و الشركات المالية.
ربما هذه العوامل مجتمعة مع التجاذب التجاري وإسقاطاته الجيوسياسية أسهمت الموجة من الارتفاعات. لذلك السؤال هل تفاقم الأزمة قد يرفع سعر الذهب؟ إما أن أي انفراج قد ينهي هذه الموجة؟. لذلك ربما حتى لو ارتفع السعر لأسباب خلافات دولية قد يؤجل التصحيح بعدها. في العصر الحديث شهد سعر الذهب عدة موجات من الارتفاع الكبيره أولها بعد الحرب الثانية. فمثلا متوسط سعره على بداية كل عقد في 1970 كان 36 دولار للونصة، و 615 في 1980، 384 في 1990، و 271 في 2000، و 1227 في 2010، و 1774 في 2020، إلى أن وصلنا إلى 2025 بمتوسط بنحو 3000. كثير سيقف محتار مع هذا التذبذب طويل الأجل و أين مركزه في أي محفظة!. سيطمئن إذا عرف أن بعض البنوك المركزية ومنها الإنجليزية باعت الذهب بسنوات قبل الارتفاع المجزئ.
الواضح أنه هناك موجة شراء من مضاربين والبعض الذي يلاحق كل أصل بدأ يرتفع على أمل ركوب الموجة. أغلب مديري المحافظ التقليديين يوصون بنحو 5%، أرى أنها لا تؤثر كثيرا في نهاية المطاف. أيضا هناك من يراهن على شركات تعدين الذهب، لكن هذه أيضا تعاني فجوة مستدامة بين سعر الذهب ونجاح الشركة من ناحية، عدى ما ذكر عن الذهب أعلاه. أظن الاستثمار في بعض شركات الموارد والسلع الطبيعية في المدى البعيد ربما أنجع مع ملاحقة الدورات السعرية المؤثرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي