رمضان يعالج هؤلاء

إنهم يأكلون في أي وقت، والطعام موجود دوما معهم، فهناك بسكويت في الحقيبة أو كيس من اللوز المملح في درج المكتب أو لوح شوكولاتة في السيارة أو قطعة حلوى في جيب الملابس، ولا مانع من تحويل أي مكان إلى غرفة طعام، فمن الممكن تناول الطعام في غرفة المعيشة أمام التلفزيون أو في السرير داخل غرفة النوم، أو في المكتب في أثناء تصفح ملفات العمل، واستغلال إشارات المرور لتناول شيء ما في السيارة، ولأن تعدد هذه الأماكن سيعرضهم للإحراج وسيل من سخرية التعليقات، فإنهم يحتالون بكل الوسائل حتى لا ينتبه لهم المحيطون بهم.
إذا وجدت تلك الممارسات تنطبق بشكل كبير على شخص ما تعرفه فاعلم بأنه مصاب بمرض الشراهة العصبية Bulimia Nervosa، وأن أي سلوك التهامي للطعام بشكل مبالغ فيه ومن دون حاجة الجسد لذلك خاصة إذا كان سلوكا مستمرا ونمطا ثابتا يجعل صاحبه من فئة الشراهة العصبية حتى لو لم يصل إلى السمنة الملحوظة؛ لأن الحكم هنا هو على السلوك وليس فقط على النتائج، ويعزو الخبراء النفسيون مسببات تلك الشراهة إلى التوتر، ويعدونه الجذر الرئيس للمرض، حيث يتجه المصاب نحو الطعام كحيلة دفاعية لخفض التوتر، لكن الذي يحدث في الغالب أن الأكل قد يخفض ذلك التوتر مؤقتا ثم يضاعفه لاحقا، حيث يجر الشعور بالذنب بعد تناول الطعام إلى توتر أكبر ودافع أشد للطعام من جديد، وهكذا يدور المصابون بتلك الشراهة المرضية في دائرة من التواتر المتوالد، الذي لا يبدون قادرين على الخروج من فكاكه إلا باكتساب حيلة دفاعية إيجابية جديدة، فالأكل الشره القائم على خفض التوتر قد يكون حيلة نفسية، لكنها غير صحيحة بتاتا، فمع أن شدة التوتر قد تقود إلى الاكتئاب لكن الحل يكمن في البحث عن بديل جديد للاندفاع نحوه حين اشتداد التوتر مثل الرياضة أو الكتابة أو العزف أو الخروج للمشي وزيارة الأصدقاء.
لقد أثبتت الدراسات العلمية المهتمة بتفكيك شفرة ذلك المرض الذي يقف خلف معظم البدناء، أن المصابين بالشراهة العصبية يتجهون للطعام من منطلق التعويض، بمعنى أن الطعام يعوض حرمانا يعايشونه، وقد يكون بفعل شخص يلتصقون به أو ظروف يعيشونها أو لعدم نضجهم في بلورة أسلوب الإشباع الحقيقي لما يحتاجون إليه، حيث تتعامل فئة الشرهين العصبيين مع الأكل كهاجسها الأساسي، وتجعله يحتل مساحة كبيرة من تفكيرها تعوض فيه التفكير بحرمانها الحقيقي الذي يترك في النفس أو الجسد فراغا كبيرا، وليس هناك أفضل من واقعية الطعام في سد ذلك الفراغ.
من المؤكد أن رمضان محطة علاجية مهمة ونقطة تحول كبيرة بالنسبة لهؤلاء لمساعدتهم روحيا على البحث عن بديل إيجابي لخفض التوتر، وهذا إذا صدقوا في الاستفادة منه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي