لا تشتروه «أرخصوه يرخص»
عندما ترتفع الأسعار في البلدان الأجنبية بشكل غير طبيعي وغير معقول لا تتدخل الدولة مباشرة في ضبط الأسعار بل تعتمد في ذلك على المؤسسات التي تحمي المستهلك وتعتمد على وعي المواطن، والتجربة اليابانية بعد الزلزال النووي الذي ضربها خير مثال، فالوعي الاجتماعي والاقتصادي يكون على ناحيتين، الأولى عدم الإسراف والتبذير ورمي أطنان من الغذاء في حاويات المهملات بينما هناك فقراء ومحتاجون لا يجدون كسرة الخبز ونطالب الدولة بالتدخل لضبط الأسعار، والأمر الآخر أن المواطن بوعيه قادر على ضبط الأسعار من خلال إحجامه عن الشراء والبحث عن بدائل أخرى لها، لأن الدولة ليست مظلة ورعاية دائمة.
من غير المعقول أن تنتهي بقايا الطعام الكثير إلى حاوية المهملات بينما هناك (25 مليون) جائع في العالم العربي حسب تقرير منظمة (الفاو) ففي شهر رمضان الكريم وحده يزداد استهلاك المواد الغذائية بشكل لافت وغير مسئول ليصل إلى ثلاثة أضعاف فلا بد أن نفعل قيمنا الإسلامية لترشيد تصرفاتنا الاستهلاكية والاقتصادية والاجتماعية حيث إن قيمنا الإسلامية تحثنا على استعمال العقل ليتم بذلك إدارة هذا النمط من الهدر والتبذير بشكل حقيقي وعبر جمعيات أهلية وخيرية، التي يزيد عددها داخل الوطن على (15 ألف جمعية) والدعوة إلى تعزيز دورها في مراكز تسوق في الأحياء والقرى والهجر والمدن ونشر الوعي الخاص بإدارة الثروات من خلال وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لضبط الأسعار.
العلاقة بين التاجر والمستهلك مبنية على أسس واضحة ومحددة ومن يرغب في التجاوز من التجار ويرفع الأسعار سيحارب بعدم الإقبال على سلعته، بينما من يحافظ على أسعار السلعة ضمن حدودها الطبيعية والمعقولة يكافأ وتعزز علاقته بالمجتمع، فالمسألة مرتبطة بالمستهلك وثقافته وقدرته على تدبير أموره وقدرته على اختيار البدائل المناسبة حيث إن هذه القضية تطرح علينا منهجا وسلوكا عالميا تمارسه الشعوب، ففي عهد عمر رضي الله عنه ارتفع سعر اللحم فشكا الناس إليه فقال عمر رضي الله عنه أرخصوه يرخص، أي لا تشتروه فسيرجع السعر إلى سابق عهده، وفي الهند مثلا عندما يرتفع سعر سلعة يقاطعونها ويختارون السلعة الأقل سعرا وفي الوقت نفسه موازية لها.
المشكلة عندنا أولا قبل أن تكون جشع تجار يجب أن تكون حسن إدارة وتدبير، ولو امتلكنا حسن الإدارة والتوظيف الأمثل للموارد حتما سوف ننجح، ويجب أن نتحمل كمواطنين جزءا من المسؤولية فالديون تتضاعف بسبب الإسراف والتبذير يتحملها المواطن ولن تجد جهة تمنحك قرضا دون أن تمتلك القدرة على الإيفاء به، لأن الحياة تزداد مطالبها يوما بعد يوم والادخار والاستثمار أفضل من الاستهلاك وقرشك الأبيض ليومك الأسود، وعسى الله يجعل كل أيامنا بيضاء والعبرة في أزمة الدين الأمريكي دولة كبيرة واقتصاد ضخم لكن هناك إفلاس وهناك سوء إدارة.
قضايا كثيرة تغيرت والمجتمعات تعيش حالة تحول اقتصادي واجتماعي والحياة تزداد أعباء وتكاليف، ولا مجال أمام المواطن السعودي سوى الوعي وإعادة إدارة منظومته الاقتصادية على أسس صحيحة وسليمة في ظل ارتفاع الأسعار وتصاعد مؤشر التضخم ويفترض التعامل مع احتياجات شهر رمضان بشكل مختلف بحيث نراجع سلوكياتنا وعاداتنا الاستهلاكية، ونعيد ترتيب الأولويات من جديد، ومن المفيد التعامل مع احتياجات الشهر بإعداد ميزانية جماعية يشارك فيها جميع أفراد العائلة، بحيث تكون المصروفات واقعية وفي حدود المعقول، وبذلك نوفق بين الاستهلاك والدخل، ومن جهة أخرى نتمكن من ادخار المال والاستعداد المسبق بوقت كاف.
فالكثير من التجار ينتظرون شهر رمضان المبارك بفارغ الصبر، ليس باعتباره مناسبة دينية للتقرب إلى الله، بل يتسابقون لاستغلال هذه المناسبة الكريمة لتصريف ما لديهم من بضائع مخزونة أشرفت صلاحيتها على الانتهاء، أو السعي إلى زيادة الأسعار على الجديد منها لتحقيق الأرباح الكبيرة، لذا على الجميع عدم الإسراف في شراء أكثر من الحاجة والتعاون مع الجهات المعنية في التبليغ عن حالات الغش وغلاء الأسعار والمؤمل من الجهات المعنية القيام بمسؤولياتهم وذلك بالتشديد على التجار وحثهم على طرح السلع الأساسية في رمضان بأسعار مناسبة وهامش ربح قليل، وتوفير جميع احتياجات المواطنين من السلع المختلفة، وزيادة الرقابة عليهم للتأكد من الالتزام بالأسعار المعلنة وأن يتقوا الله في المواطنين، وحان الوقت ليمتلك المواطن السعودي أداته الإعلامية للتشهير بالجشعين من التجار الذين يشغلون ويستغلون حاجة المواطن ولا يصغون إلى دعم الدولة.