رمضان وحقوق الإنسان

من أعظم ما يُميز ديننا الإسلام خاصة كشريعة وعقيدة أن جعل الله العلم أولاً ثم العمل ثانياً حتى يستوعب المسلم المعرفة ثم يأتي بعد ذلك العمل والتطبيق الفعلي للعبادات وتدريجياً يتفقه المسلم في دينه ويُصبح أكثر فهماً في الدين وأدق في العمل وأثبت في النية، فيرتفع في درجات البر والتقوى بعون الله ثم بعمل العبد وجده واجتهاده وصدق نيته، بجانب ذلك جعل الله للمسلمين أوقاتاً ومواسم معينة للعبادة ليجد المسلم الفرصة الذهبية ليراجع نفسه ويعود إلى ربه ويستغفر لذنبه فيزداد بعون الله تقرباً لله في تلك الأزمنة والمواسم مما يُشجعه على الاستمرار في ذلك العمل الصالح والسلوك الحسن بقية الأيام، ولأن تلك المواسم عبارة عن تعليم نظري وتدريب عملي (ورش عمل) من خلالها يحصل للمسلم الترقي في مجال العبادة وخاصة ما يتعلق بأركان الإسلام من توحيد وإيمان بالله إلى إقامة للصلاة وأداء الزكاة وزيادة في الصدقات والحج إلى بيت الله إذا استطاع ذلك، وصوم رمضان وتنعكس كل تلك الأركان على حسن سلوك المسلم وكرم أخلاقه وطيب تعامله مع الناس، ولعل أوضح مثل كبير على ربط العلم بالعمل بأهمية التدريب في الإسلام (حجة الوداع) التي قادها القائد والمعلم الأول محمد - صلى الله عليه وسلم - فَعَلم المسلمين كيف يكون الإحرام والمناسك والشعائر وماذا يقولون وماذا يفعلون في الأوقات والأماكن المحددة وكان عليه السلام القدوة الحسنة الذي يدلهم على الطرق السليمة، وكان هيناً وليناً مع المسلمين وكان يخفف على المسلمين ويردد قول: لا حرج لا حرج، وما دام الأمر كذلك وما ذكر عن أهمية مواسم العبادة فدعونا الآن نتحدث عن:
كيف نتعلم من رمضان حقوق الإنسان؟
رمضان أشبه ما يكون بجامعة يتعلم فيها الإنسان ويتدرب حتى تسمو روحه ونفسه ويعي عقله ويُصقل بدنه ليتدرج في مكارم الأخلاق ويترك ما ذُم من الأخلاق مثل: العصيان، الجزع، والبخل، والعنف، والتمرد، ولعل أهم مكرمة يتعلم ويتدرب عليها المسلم في رمضان هي مكرمة (التقوى)، حيث أوضح الله ذلك في قوله عز وجل (يا أيهَاَ اَلذِينَ آمَنوا كُتِبَ عَليْكُم الصيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الذيّنَ مِنَ قَبْلِكُم لَعَلكُم تَتَقُون) البقرة 183، فكانت التقوى هي الهدف الأساس للصوم وهي الرسالة التي يحملها رمضان، وأبسط وأوضح تعريف للتقوى هو: (امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه) كما جاء في موسوعة (نضرة النعيم) لمكارم أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي رمضان فرصة ذهبية لإشباع حقوق الإنسان المحتاج من الصدقات والزكاة التي عادة ما تؤدي في رمضان وتوجه للأصناف الثمانية المذكورة في سورة التوبة -الآية 60 وهم: الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، وحيث إن الفقراء والمساكين هم أحوج الناس للمال فقد جعلهم الله في أول القائمة، كما أن الصيام يجعل المسلم يحس بألم الجوع، كما أن قراءة القرآن بشكل مستمر والصلوات مع الجماعة والتراويح والقيام كل ذلك يفقهه في الدين ويعلمه الصبر على طول العبادة. وفي الحلقة (185) القادمة نكمل ما تبقى من فضل رمضان على حقوق الإنسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي