الأخلاق نشرت الإسلام وكونت مجتمعا «زاهرا» في السويد

قلنا في مقال الأسبوع الفائت لولا الأخلاق الحميدة وليس الفتوحات لما وصل الإسلام إلى جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، حيث يوجد اثنان من كل ثلاثة مسلمين على وجه البسيطة. وقلنا أيضا إننا في السويد نرى الإسلام وأخلاقه الحميدة، ولكننا لا نرى مسلمين.
وهذه الأخلاق الحميدة التي اكتسبتها بعض الشعوب الآسيوية من مجاميع كبيرة من التجار المسلمين التي كانت ترد ديارهم باستمرار حافظت عليها هذه الشعوب وجعلت منها، ولا سيما ماليزيا وإندونيسيا، محط أنظار العالم. البلدان اليوم مرشحان لتبوء مكانة راقية جدا في سلم الحضارة الإنسانية المعاصرة.
والأخلاق تؤثر في تكوين الفرد والمجموعة الإنسانية التي ينتمي إليها في آن واحد. ولكن علينا التأكيد ونحن نخوض هذا المضمار الحساس أنه قد يحدث أن تختلف أخلاق الأفراد الذين يكونون المجموعة الإنسانية عن أخلاق الأفراد أو المجموعة التي تقود السلطة.
الأخلاق الحميدة، كما الأخلاق غير الحميدة، يكتسبها الفرد من محيطه ومن اتصالاته واختلاطه. ومن وجهة نظري المتواضعة الرسالة التي وصلت أولا للعرب من خلال رسول عربي كانت رسالة أخلاق. جوهر الرسالة الإسلامية هو الأخلاق الحميدة التي لولاها لانفكت عرى أي مجتمع إسلامي، التي لولاها لما قبل المسلمون الأوائل التخلي ليس فقط عن أصنامهم، بل الكثير من أخلاقهم غير الحميدة التي كانت متأصلة ليس في سلوكهم فقط، بل في تكوينهم أيضا.
والقرآن يضفي الكثير من الصفات الحميدة على رسول المسلمين. بيد أن ما يوقفني كثيرا هو قوله: "إنك لعلى خلق عظيم". يمنح القرآن هذه الميزة للرسول كي يميزه عن الآخرين من الذين كانوا ينظرون إليه ورسالته، وكأنها ذات المعزوفة القديمة والخطاب المعهود بلغة جديدة.
هذه الآية العظيمة أقحمت مناوئي الرسالة وبددت أوهامهم من أن الإسلام تكرار للقديم ومجرد طقوس وفرائض وإعجاز لغوي. إنه الأخلاق والانبعاث من خلال سلوك وتصرف يهدي الآخرين صوب الرسالة ولا يبعدهم عنها. هكذا أفهم "إنك لعلى خلق عظيم".
ونقل التجار المسلمون هذا الخلق العظيم معهم من خلال سلوكهم وتصرفاتهم وتلقفته شعوب كثيرة تشكل اليوم أغلبية المسلمين في العالم.
وهناك فرق كبير بين الخلق العظيم في المجتمعات العربية والإسلامية من جهة والمجتمعات الغربية، ومنها السويد، من جهة أخرى. في أغلبية الدول الإسلامية ما زال معظم الأفراد ملتزمين بالخلق العظيم، وما زالت غالبية النظم والمؤسسات التي تحميها، مدنية أو دينية، بعيدة عنه. هؤلاء الأفراد يمشون على خطى الخلق العظيم بغض النظر عن سلوك السلطة التي قد لا تحقق لهم أبسط الشروط والحقوق الإنسانية مادية كانت أو ذات علاقة بالحريات الفردية والحريات العامة.
في الغرب حدث رخاء مادي هائل لا بل خرافي. الأخلاق، رغم كونها حميدة، تستند إلى هذا الرخاء. الأفراد والسلطة لهم أخلاق حميدة لكن أساسها الرخاء المادي وليس رسالة سماوية تجعل من الفرد ذي الأخلاق العظيمة أرفع شأنا عند الناس والسماء من النظم وأصحابها ومريديها رغم البذخ والبحبوحة التي يعيشان فيها.
هذه كانت الأرضية التي انطلق منها نقاش حاد دار بيني وبين شخصية سويدية بارزة لها إمبراطورية إعلامية في البلد وتعد واحدة من أغنى أغنياء السويد.
وقلت لمحدثي: الأخلاق الحميدة موجودة في الغرب، ولكن أساسها وفرة غزيرة وفظيعة للمادة، وليس نصا سماويا يحث الناس على التشبث بالخلق العظيم دون مراعاة للمادة.
وأضفت، ستنهار الأخلاق في أوروبا، ومنها السويد، في اللحظة التي تنهار فيها دولة وسلطة الرخاء المادي الخرافي الذي تعيشونه اليوم. ولهذا لأن أغلبية العرب والمسلمين يحاولون التشبث بالخلق العظيم من خلال السلوك والتصرف تجاه الآخر، لم نر المآسي التي تحدث في لندن وأجزاء أخرى من بريطانيا، حيث تحرق الممتلكات الخاصة، وتنهب المتاجر، وتسرق المحال. أنتم تسمون هذه الأمور "عملية شغب"، وتطلقون على أصحابها "مشاغبين". أنا أطلق عليهم لقب "فاقدي الأخلاق الحميدة" وفاقدي رسالة سماوية تدعوهم صوب الخلق العظيم.
وقلت إن لم تصدقني، لننظر سوية إلى الاضطرابات الكبيرة والهائلة التي تضرب المجتمعات العربية والإسلامية اليوم. الأفراد الذين نهضوا رغم فقرهم المدقع وحقوقهم المهضومة لم يسرقوا أو يحرقوا أو ينتهكوا الحرمات مثلما حدث ويحدث في بريطانيا رغم ماكينة البطش الهائلة التي تستخدمها النظم ضدهم. الذي ينتهك الخلق العظيم هي أنظمتهم. الأفراد دليلها الخلق العظيم. الأنظمة دليلها الاحتفاظ بالسلطة والرخاء المادي على حساب الخلق العظيم.
وقلت هنا يكمن الفرق الشاسع بين مجتمع نبراس غالبية أفراده "الخلق العظيم" ومجتمع كمجتمعكم وجميع المجتمعات الغربية نبراسه "الرخاء العظيم" وإن كان على حساب الآخرين.
قال: "لماذا لا تكتب لنا عن هذه الأمور".
ولحين ألتقيكم في الأسبوع المقبل، أستودعكم الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي