هل يتغير العالم مع تغيرات السياسة الأمريكية؟ (1 من 2)
غادر روبرت جيتس الإدارة الأمريكية منذ نحو شهرين، وفي مقابلة أجراها مع مجلة أمريكية صرح بأن الرئيس أوباما سيضطر لتغيير سياسته الخارجية تحت ضغوط متباينة، وأن هذا التغيير سيؤدي إلى تحولات درامية ملموسة. ودق وزير الدفاع الأمريكي السابق نواقيس التحذير وقال بالحرف الواحد: ''لقد قضيت عمري مواطنا في الولايات المتحدة وهي قوة عظمى، وهي دولة لا يهمها ما تنفقه للحفاظ على هيمنتها، ولم تكن مضطرة لأن تنظر خلفها لأن اقتصادها كان قويا، أما الآن فالأمور تختلف''.
وأضاف جيتس: ''وأصدقكم القول أن هذا هو السبب في اتخاذي قرار التقاعد؛ لأني لا أستطيع أن أتصور نفسي مواطنا في أمة وجزء من حكومة ترغم على التراجع والتباعد عن دول العالم''.
ولا بد هنا من وقفة تحليلية أمام تصريحات وزير الدفاع الأمريكي السابق، فالرجل لا يقول إن الاقتصاد الأمريكي من حيث التنبؤات يحمل نذر التدهور، ويكفي أن نذكر أن ميزانية الدفاع الأمريكي لا تستهلك أكثر من 5 في المائة من الميزانية الفيدرالية وسيوافق عليها الجمهوريون الذين يمثلون المعارضة في الكونجرس، ولكنه يؤكد أنه لا يثق في قدرة أوباما على توظيف الميزانية أو تخصيص الموارد بكفاءة تليق بدولة عظمى، وبلغة أخرى يقول إن أوباما على استعداد للتخلي عن فكرة أن الولايات المتحدة قوة عظمى تستطيع تحمل مسؤوليات هذا الوضع.
ويجمع المراقبون المختصون في السياسة الأمريكية على أن تصريحات وزير الدفاع مذهلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأشياء استراتيجية خطيرة أو عندما يتصل الأمر برئيسه مباشرة، ويزيد من خطورة التصريح أن يكون مصدره جيتس الذي أبقاه أوباما وزيرا للدفاع لأن الذي عينه أصلا هو جورج دبليو بوش بعد إعفاء رامسفيلد عام 2004 وأعاد أوباما تعيينه عام 2008 ليؤكد موافقته على سياسة بوش الخاصة بالتصدي للإرهاب. ومع ذلك يذكرنا المحللون أنه باستثناء موافقة جيتس على زيادة القوات الأمريكية في العراق، فإنه جرف سفينة السياسة الأمريكية الخارجية نحو اليسار في عهد بوش نفسه. ويدلل المراقبون على ذلك بمواقف جيتس ودوره في تشكيل التحولات الكبرى، وعلى رأس هذه المواقف الدراسة التي كتبها بالمشاركة مع بريزنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر والتي طالب فيها الولايات المتحدة بأن تنتهج سياسات أكثر قربا من إيران؛ ولذلك وضعتهما إسرائيل في قائمة الخصوم لأنهما أفشلا جهودها في استعداء واشنطن على طهران عبر كل وسائل الضغط المتاحة لها. ومما زاد الحطب لهيبا لدى إسرائيل أن توجه باللوم إلى إسرائيل لكل ما يحدث في العراق، بل عزا كل قلاقل الشرق الأوسط لها. بل إنه - كما تزعم إسرائيل - تزعّم فريقا أمريكيا يطالب إسرائيل بأن تعيد الجولان للسوريين وأن تعيد القدس والضفة الغربية لحكومة وحدة وطنية من حماس وفتح. وانهال الإسرائيليون على جيتس لأنه عارض علنا مهاجمة إيران بناءً على إلحاح إسرائيل، ورفض طلب إسرائيل الحصول على أنظمة تسليح تمكّنها من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. وأعلن كذلك رفض الولايات المتحدة لاستخدام إسرائيل المجال الجوي العراقي ودعم الموقف الأمريكي بتهدئة إيران.
هذه التصريحات التي أدلى بها جيتس لـ''نيوزويك'' تتجاوز مجرد الكلام لتقدم مؤشرات على سأم الولايات المتحدة أو عجزها عن الاستمرار في الدور الذي رسمته لنفسها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي شروح جيتس المزيد من الأدلة وعلى رأسها أنه عندما قامت روسيا بغزو جورجيا - حليفة الولايات المتحدة - طالب جيتس في استراتيجية الدفاع القومي بأن تغض واشنطن الطرف عن ذلك والبعد عن مضايقة الروس، وقد حدث ذلك فعلا رغم أن روسيا عارضت وضع بطاريات مضادة للصواريخ في كل من التشيك وبولندا وهو مطلب استراتيجي أمريكي. وبدلا من ذلك حث جيتس إدارته على الحفاظ على علاقات التعاون والتنسيق مع موسكو.