عيد بأية حال عدت يا عيد

يطل علينا يوم غد أو بعد غد عيد الفطر المبارك مؤذنا بنهاية شهر الخير والبركة. ومع حلول كل عيد أجدني أستذكر قول المتنبي:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
هذا البيت يدفعني إلى تسجيل مشاهد الحياة في محيطي البسيط باحثا عن أوجه التجديد والتغيير والتطور. وأجدني أرى في هذه المشاهد كثيرا من التباين بين أوجه شهدت تغييرات سلبية كانت أو إيجابية، ومشاهد أخرى بقيت تراوح مكانها دون تجديد. وفي هذا العيد، وبعد أن سجلت بقلمي كثيرا من الرؤى والأطروحات حول قضايا وموضوعات تهم الوطن والمواطن، وجدتني أجري مراجعة سريعة لعناوين تلك الموضوعات، وأسترجع ما مسها من تجديد وتطوير وتغيير، فوجدتها وقد تباينت في حظها من التطوير والتجديد المأمولين، بما خلق في نفسي خليطا من مشاعر الإحباط والتفاؤل. صحيح أن كثيرا من هذه القضايا يتطلب حلها كثيرا من الجهد والوقت، لكن ما يثير الإحباط في ذلك البعض هو أنها لم تجد بعض ذلك الاهتمام الجاد الذي يضعها على الأقل على طريق الحل. والمشكلة أن كثيرا من تلك الموضوعات كانت محل النقاش والحديث من كثير من كتاب الرأي ومختلف فئات المواطنين، ومع ذلك فهي ما زالت تراوح مكانها دون أن تطولها يد التغيير أو التناول الجاد بما تستحقه من اهتمام. أقول هذا ليس من قبيل تسجيل النقد فحسب، بل تعبيرا عن حالة من الأمل في أن تكون أعيادنا محطات من الفرح والتفاؤل نرى فيها بلادنا وقد أصبحت في كل عيد في حال أفضل وأحسن من العيد الذي سبقه.
يحل علينا العيد وأزمة الإسكان ما زالت تراوح مكانها، حتى ما شهدته هذه الأزمة من مبادرات وقرارات حكومية عبرت عن اهتمام القيادة بحلها، إلا أن تلك الحلول ما زالت حبيسة عوائق التنفيذ الفعال، خاصة مع تأخر صدور أنظمة الرهن العقاري التي طال الحديث عنها، وتعثر جهود وزارة الإسكان بحسب منهج العمل الذي اختارته لنفسها، وعجز صندوق التنمية العقارية عن تحقيق تطوير حقيقي لآليات عمله.
يحل علينا العيد ومشكلة استهلاك الطاقة الجائر لم تجد بعد أي اهتمام حقيقي من الجهات المسؤولة، أو أية مبادرات جادة للتعامل معها، مع أنها تمس المورد الأهم من موارد الدولة، وتعترض سبيل تأمين مستقبل الأجيال القادمة من مخاطر محدقة به حيال نضوب هذا المورد.
يحل علينا العيد وأجهزة الدولة ما زالت تعمل دون استراتيجية موحدة، تبذل كل منها جهودا مضنية في سبيل تنفيذ مهامها، ومع ذلك لا تؤتي هذه الجهود ثمارها نتيجة لهذا الخلل في التنسيق والتكاتف والعمل وفق رؤية استراتيجية وخطة مركزية موحدة، وكأن كلا منها جزيرة مستقلة لا يربط بينها رابط ولا يجمعها مصير واحد مشترك.
يحل علينا العيد والشكوى مستمرة من قصور دور البنوك التجارية في دعم مسيرة التنمية، وتوفير حلول التمويل الفاعلة التي يمكن أن تنهض باقتصاد البلاد، في الوقت الذي تتضخم فيه خزائن هذه البنوك بأموال سائلة مودعة لا تحقق حتى للمساهمين فيها عوائد مجزية من توظيف تلك الأموال.
يحل علينا العيد وأزمة البطالة ما زالت مستشرية بين شباب الوطن، وأفواج الأجانب تترى لتحصد خيرات البلد وأمواله لتصدرها إلى بلدان أخرى لينعمو بها. كل هذا ووزارة العمل تعيش حالة من العزلة عن واقع المشكلة، وتخرج علينا ببرامج لا تعدو أن تكون حلولا مبتسرة تخضع فيها اقتصاد البلد ومواطنيه لتجارب لا يدري أحد كم ستحقق من النجاح.
يحل علينا العيد والحديث يتكرر عن هيئة الاستثمار ودورها الحاضر الغائب عن إدارة منظومة الاستثمار في البلاد، والاكتفاء بتوجيه اهتمامها وعنايتها لاستثمار أجنبي غلب عليه فقر الحال وضعف المساهمة الحقيقة في نقل التقنية والمعرفة وتطوير اقتصاد البلد، وتنقل في الوقت ذاته إلى المواطنين رسائل إعلامية جوفاء تعلن إنجازات وأرقاما لا نراها على أرض الواقع.
يحل علينا العيد ومشروع تطوير القضاء يسير بخطى السلحفاة، وحقوق الناس ما زالت حبيسة المفاهيم التقليدية ذاتها في التعاطي مع مشكلاتهم وخلافاتهم، حتى أصبح هذا القطاع العقبة الأكبر في سبيل الارتقاء باقتصاد البلد ونجاح مساعي جهات حكومية أخرى في تطويره والنهوض به.
يحل علينا العيد والحديث عن الفساد بأوجهه الكثيرة ما زال شائعا بين الناس، حتى مع إنشاء هيئة لمكافحته غاب الحديث عنها وباتت يخشى عليها أن تكون قد انخطرت في حالة من البيات الصيفي الذي عاشته كثير من الهيئات الأخرى التي تم تأسيسها في السنوات الماضية.
يحل علينا العيد ومجتمعنا يعيش حالة من التفكك وفقدان الثقة بين أفراده، حتى أصبح كل ما يربطهم في العيد رسائل يتبادلونها عبر أجهزة الجوال، في الوقت الذي لا يعرف الجار جاره، ولا يبادره لا بسلام ولا بزيارة تهنئة.
يحل علينا العيد وكثير من مشكلاتنا وأزماتنا تراوح مكانها، بل إن بعضها يزيد عمقا واستعصاء على الحل. وهو واقع يذكرني ببرنامج «طاش ما طاش» الذي ما زال يكرر نفسه فيما يطرحه من موضوعات عل مدى 18 عاما. ومع ذلك فإن تكرار الحديث في تلك الموضوعات على مدى كل تلك السنوات إنما يعبر عن هذا الخلل والبطء في معالجتها بما تستحقه من جدية واهتمام.
يحل علينا العيد والعالم حولنا يموج بثورات ومظاهرات أطاحت بأنظمة وهزت عروش أنظمة أخرى. والعيد في بعض تلك الدول ليس كأعياد كثيرة سبقته، فهم يترقبون ما ستؤول إليه أحوالهم، وما إذا كانت ستكون أحسن حالا من سابق عهدهم، أما أنها ستنحدر بهم إلى أعماق ومجاهيل سحيقة.
ومع كل ذلك، تظل للعيد بهجته، ونظل ننتظره عاما بعد عام، ليس فقط بحثا عن لحظات من الفرح والسعادة في حياة مليئة بالمشكلات والتطلعات، لكن أملا في مستقبل أفضل، وفي رقي نستحقه ونتطلع إليه بما نملكه من إمكانات وقدرات، خاصة أننا نعيش في ظل ملك صالح لا يريد إلا الخير لشعبه، ولا يألو جهدا لتحقيق ما يصبو إليه من رقي ورخاء. فله ولكل أهل بلدي أقول، كل عام وأنتم جميعا بخير، وكل عام وبلادي في حال أفضل وأكثر تقدما ورخاء وازدهارا. وعسى أن تكون أعيادنا القابلة أكثر فرحا وبهجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي