اقتصادات الأسواق الصاعدة ومزيد من الإنفاق
إن بعض عمليات الضبط المالي التي تقوم بها البلدان الهشة من المنظور التاريخي تتسم بأنها طموحة للغاية، ففي الأرجنتين -على سبيل المثال- تهدف السلطات إلى تحويل عجز الميزانية الأولي البالغ نسبته 3% من إجمالي الناتج المحلي في 2023 إلى فائض بنسبة 1% في العام المقبل. وتستهدف الحكومة المصرية تحقيق فائض أولي بنسبة 5% في السنة المالية المنتهية في يونيو 2027. وتخطط تركيا لتحويل العجز الأولي البالغ نسبته 2.6% من إجمالي الناتج المحلي في 2023 إلى فائض بنسبة 0.5% من إجمالي الناتج المحلي في العام المقبل.
وفي المقابل، هناك على ما يبدو تصميم على زيادة النفقات من جانب البلدان التي لديها ميزانيات وطنية أقوى وعدد أقل من ذكريات عدم الاستقرار المالي في الآونة الأخيرة. فقد ورثت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم عجزا في الميزانية لعام 2024 يبلغ نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي، وهو الأكبر منذ 1989.
وتسعى الحكومة البرازيلية جاهدة إلى إقناع المستثمرين بأن ميل الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا نحو تيسير سياسة المالية العامة يتوافق مع الاستقرار المالي. وعلى الرغم من أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني رفعت مرتبة التصنيف الائتماني السيادي، فإن المشاركين في السوق يشعرون بالقلق من أن الارتفاع الأخير في نمو إجمالي الناتج المحلي يحافظ على نمو الاقتصاد بمعدل أسرع من الممكن، وأن مواطن الضعف في مركز الحكومة المالي ستظهر بسرعة عندما يتباطأ النمو.
وقد عزز الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو من احتمالات حدوث زيادة كبيرة في الدين الحكومي لاستكمال بناء عاصمة جديدة، وزيادة الإنفاق على بنود الدفاع، وتوفير وجبات مدرسية مجانية.
وإذا نظرنا إلى الوراء في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وهما عقدان اتسما بأزمات مالية وقعت من آن لآخر في الأسواق الصاعدة، فمن السهل أن نشير الآن إلى أن الاقتصادات النامية واجهت العواقب السلبية للعولمة المالية حتى عندما كانت تتمتع بالعواقب الإيجابية للعولمة الحقيقية.
قد يكون العكس صحيحا الآن. فمما لا شك فيه أن تدفقات رأس المال العالمية لا تزال متقلبة، ولكن اقتصادات الأسواق الصاعدة تعلمت سبل إدارة الأخطار، أو على الأقل الاستجابة لها في وقت أقرب مما اعتادت عليه في السابق.
ويبدو أن المشكلة الأكبر اليوم تتعلق بالعولمة الحقيقية، فقد كان نمو التجارة العالمية ضعيفا بشكل ملحوظ مقارنة بنمو إجمالي الناتج المحلي في العامين الماضيين، كما كان الحال طيلة معظم العقد الماضي. ويبدو أن الصراع التجاري العالمي من المرجح أن يكون أشد وطأة في المستقبل. ومن شأن هذا أن يجعل الصادرات أقل موثوقية كمسار نحو النمو بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة، وربما تكون بيئة التجارة الخارجية الضعيفة هي التي تشجع البلدان ذات الميزانيات العمومية السليمة على التفكير في إنفاق بعض من رأسمال السمعة المتراكم لديها لدعم الطلب المحلي. إن متطلبات التحول المناخي والدفاع الوطني من شأنها أن تعمل على تعزيز هذا الاتجاه.
ولكن إذا كان تيسير سياسة المالية العامة محدودا، ويعزز الإنتاجية، ويضيف إلى النمو المحتمل، فإن زيادة تيسير سياسة المالية العامة قد لا تثير قلقا خاصا لدى المشاركين في السوق، ولن يكون السير في اتجاهين كما نرى الآن في الأسواق الصاعدة أمرا سيئا. ولكن إذا تفاقمت المشكلات المرتبطة بالعولمة الحقيقية، أو بعبارة أخرى، إذا عانت التجارة العالمية من انهيار أشد حدة أو أطول أمدا، فإن الميزانيات العمومية للقطاع العام ستتعرض لمزيد من التدهور.
ولذلك، قد يكون لمستقبل التجارة العالمية دور مهم في تحديد نوع أنماط السير التي ينتهي بنا الأمر إليها في الأسواق الصاعدة، وما إذا كانت ستتبنى الإصلاحات المواتية للسوق أم العكس.