وقف الدعوى التحكيمية
إن أحد الأسباب الرئيسة للجوء الأطراف إلى آلية التحكيم هو سرعة الفصل في النزاع واقتصاد النفقات على النحو الذي يتميز به نظام التحكيم عن المحاكم القضائية، ويتطلب تحقيق ذلك الوصول إلى اتفاق بين تلك الأطراف على اللجوء إلى التحكيم وتوقيع وثيقته وفق الشكل المطلوب في نظامه واعتمادها من قبل الجهة المختصة بنظر النزاع بعد توقيعها من المُحكّم أو المحكمين واختيار سكرتير هيئة التحكيم وإشعار الخصوم والمحكمين بذلك، وإذا ما تم الانتهاء من كل تلك الإجراءات فإن المرحلة التالية هي مرحلة بداية نظر الدعوى التحكيمية والسير في إجراءاتها.
إنه من المعروف أن أول إجراءات نظر هذه الدعوى هو تحديد ميعاد لاجتماع هيئة التحكيم ومن ثم تحديد جلسة لنظر هذه الدعوى، على أن يتم إبلاغ الأطراف بهذه الجلسة ومن بعدها الجلسات التالية التي تنظر فيها الدعوى وسير العملية التحكيمية، كما تقوم هيئة التحكيم بتحقيق دفاع المدعي والمدعى عليه ومذكراتهم وطلباتهم وفق نصوص النظام، ويحق لهيئة التحكيم أثناء نظر هذه الدعوى اتخاذ أي من الإجراءات التي تراها مناسبة للنزاع على ألا تخالف نصوص وأحكام نظام التحكيم، ومن هذه الإجراءات تقديم المستندات والدفاع من جانب الأطراف كافة وسماع الشهود والاستعانة بإعمال الخبرة والانتقال والمعاينة، إضافة إلى العديد من الأمور الأخرى التي يجوز لهيئة التحكيم اتخاذها أو الأمر بها حال نظر الدعوى التحكيمية، كما أن لها الحق في تأجيل نظر الدعوى أو وقفها.
ويُعد وقف الدعوى التحكيمية من الإجراءات المهمة التي يجوز لهيئة التحكيم الأمر بها؛ إذ يتضمن الوقف عدم السير في الدعوى أو الفصل فيها على غير الهدف والغاية التي كان يصبو إليها الخصوم من دعواهم، ما يعد سببا من أسباب عدم تحقيق الغايات التي يهدف إليها نظام التحكيم وأخصها سرعة الإجراءات والفصل في النزاع. وتتعدد حالات وقف الدعوى التحكيمية فمنها ما يتم باتفاق الأطراف وتحقيق رغبتهم في وقف الدعوى لأي سبب يرونه ومنها أيضا الوقف بحكم النظام أو الحالات التي يتطلب فيها النظام وقف الدعوى التحكيمية بقرار من هيئة التحكيم.
إن وقف الدعوى التحكيمية قد يكون بناءً على رغبة الخصوم طبقاً للمادة 24 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021 وتاريخ 08/09/1405هـ، وهذه الحالة لا تثير خلافا عمليا أو نظريا استنادا إلى رضائية التحكيم باتفاق خصومه على اللجوء إليه، وما على الخصوم إلا طلب الوقف في حالة استجابة هيئة التحكيم لذلك الطلب ثم بعد ذلك طلب إعادة السير في الدعوى بعد انتهاء فترة الوقف. أما وقف الدعوى التحكيمية بقوة النظام فيُعد من أهم أنواع حالات الوقف؛ إذ يتم وفق الحالات التي حددها نظام التحكيم ومثالها حالة رد المحكم عن نظر الدعوى، إذ يتطلب الفصل في طلب الرد من قبل الجهة المختصة وقف السير في الدعوى التحكيمية لحين الفصل في طلب الرد المقدم في الدعوى التحكيمية، وقد ورد بنص المادة الثانية عشرة من نظام التحكيم أنه ''يطُلب رد المحكم للأسباب ذاتها التي يرد بها القاضي ويرفع طلب الرد إلى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع خلال خمسة أيام من يوم إخبار الخصم بتعيين المحكم أو من يوم ظهور أو حدوث سبب من أسباب الرد، ويحكم في طلب الرد بعد دعوة الخصوم والمحكم المطلوب رده إلى جلسة تعقد لهذا الغرض''. وبذلك يُعد طلب رد المحكم من الأمور الأولية التي يجب الفصل فيها من الجهة المختصة قبل الفصل في النزاع التحكيمي وتخرج عن ولاية هيئة التحكيم ما يتطلب معه وقف السير في الدعوى التحكيمية برمتها.
كما يُعد من الأمور الأولية المهمة التي تخرج عن اختصاص هيئة التحكيم - بقوة النظام - الطعن بتزوير أي من المستندات المقدمة في الدعوى أو أي من الأمور التي تتطلب اتخاذ إجراء جنائي؛ مما يتطلب معه الأمر بوقف الدعوى التحكيمية لحين الفصل في هذه الأمور؛ إذ إنه عادة ما يترتب على الفصل في هذا الأمر تغيير وجهة النظر والحكم في الدعوى التحكيمية إذا كان هذا المستند أو هذا الإجراء منتجا في الدعوى التحكيمية، وذلك على النحو المنصوص عليه في المادة 37 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم التي ورد نصها ''إذا عُرضت خلال التحكيم مسألة أولية تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بتزوير في ورقة أو اُتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن حادث جنائي آخر أوقفت الهيئة عملها، ووقف الميعاد المحدد للقرار إلى أن يصدر حكم نهائي من الجهة المختصة بالفصل في تلك المسألة العارضة''. وإنه وإن كان هذا الإجراء صحيحا وفق نصوص النظام إلا أنه كان يجب أن يعطي الحق لهيئة التحكيم في تقدير مدى أهمية هذا الإجراء أو فاعلية الطعن بالتزوير بالنظر إلى أهمية المستند المطعون فيه وهل هو فاصل في الدعوى من عدمه؟ ومن ثم فلهيئة التحكيم الاستجابة لهذا الإجراء أو طلب التزوير من عدمه، وكذلك أي من الإجراءات الأخرى التي يطلب فيها أي من الخصوم وقف الدعوى التحكيمية لحين الفصل في هذه المسألة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى وقف الدعوى دون هدف أو سند، الأمر الذي يعصف بالغاية المرجوة من نظام التحكيم.
وأخيرا ووفقا لما سبق تقديمه، فإن الأمر بوقف الدعوى التحكيمية بقرار من هيئة التحكيم يُعد من الإجراءات المهمة في الدعوى التحكيمية؛ مما يتطلب معه تحديد الحالات التي يجوز فيها لهيئة التحكيم الأمر بوقفها؛ لأنه كثيرا ما يطلب أحد الأطراف وقف السير في الدعوى دون سند من النظام، كما يُعد من المهم تحديد المدة الزمنية التي يجوز فيها للأطراف طلب وقف الدعوى التحكيمية اتفاقا، ولتكن هذه المدة شهرا على سبيل المثال، والهدف من هذا التحديد هو تجنب أن يكون أعضاء هيئة التحكيم تحت تصرفات الخصوم إلى ما لا نهاية ، ومتى زادت المدة على شهر فيحق لهيئة التحكيم زيادة مقدار الأتعاب؛ حتى لا يؤدي وقف الدعوى التحكيمية إلى إهدار الغاية المرجوة من التحكيم وهي سرعة الإجراءات والفصل في النزاع مما يترتب عليه إضاعة حقوق الناس وضعف ثقتهم بالعدالة مما يعود على الاقتصاد بأثر سلبي.