رحلة صيد محاسبية
من أجمل ما يميز بوابة الحرمين مدينة جدة بحرها الذي يشتهر بشُعَبِه المرجانية، وثروته السمكية. ويهوى الكثير من سكان جدة صيد الأسماك وأنا منهم؛ حيث أجد فيها متنفسا وفرصة لأخذ قسط من الراحة من ضغوط العمل، ومتاعب الحياة، إلا أني في السنوات الأخيرة لاحظت ندرة مواقع الصيد القريبة من شواطئ جدة، وأصبح أغلب محبي هذه الهواية يضطرون إلى الإبحار إلى مسافات أبعد للحصول على مواقع صيد أكثر وفرة في الأسماك) مع إيماني الكامل بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، ويعزو الكثير من الناس هذا الأمر إلى التلوث البيئي! واستوقفني قول المولى تبارك وتعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، حيث إن الدراسات العلمية الحديثة ترى أن الإنسان هو السبب الرئيس في التلوث البيئي، الذي جاء نتيجة للتوسع الصناعي والتقدم التكنولوجي، هذا بالإضافة إلى سوء استخدام الموارد الطبيعية. وبما أن التلوث هو وجه من وجوه الفساد، فهناك واجب وطني للحد منه ومحاربته؛ إذ قال الله تعالى (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ)، وذلك كل من موقعه وحسب قدرته، ومن منطلق كوني محاسبا قانونيا تساءلت عن ماهية الدور المطلوب مني عندما أقوم بمراجعة حسابات لمنشآت تسبب وتسهم في زيادة التلوث البيئي وعكس ذلك بشكل رقمي والتقرير عنه كتابيا؟ وحقيقة لا أعلم من أين أبدأ، حيث إنه لا توجد جهة محددة يمكنني الرجوع إليها لتحديد المسؤوليات في هذا الأمر، وما هي الجهة المسؤولة عن التنظيم والمساءلة لحالات التلوث البيئي في المنشآت، وفي المقابل ومن ناحية محاسبية نظرت في المعايير الصادرة عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين فوجدت أن المعايير السعودية لا تشمل هذا الموضوع، علما بأن إرشادات الهيئة تنص على الرجوع إلى المعايير الدولية لمعالجة أي مواضيع لم تتطرق إليها المعايير السعودية، وبالنظر إلى ما تتضمنه المعايير الدولية نجد أنها شملت هذا الموضوع. ولكن لمعالجة هذا الأمر من ناحية محاسبية فإننا نحتاج كمحاسبين إلى حد أدنى من المعطيات؛ حتى نتمكن من تطبيق مثل هذه المعايير، ومثل هذه المعطيات غير متوفرة حاليا. وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان أن تدرس الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، والجهة المختصة عن حماية البيئة موضوع التلوث البيئي، والعمل على إيجاد إطار عام يمكن من خلاله إصدار معيار محاسبي يتلاءم مع وضعنا البيئي ويمكّن المحاسبين القانونيين من إصدار رأيهم المهني على المنشآت التي تسبب أضرارا بيئية، وتسهم في التلوث البيئي، وعكس ذلك بشكل رقمي على القوائم المالية لإظهار حقيقة الوضع المالي.