هل تستطيع الدولة خفض أسعار العقار؟
من الملاحظ في الأسبوع الماضي تناول وسائل الإعلام المختلفة أزمة السكن وبشكل مكثف، وهذا يدل على أنه بلغ السيل الزبى وأن المشكلة وصلت ذروتها وأصبح يكتوي بلهيبها معظم المواطنين، وليس هذا فحسب ولكن سيكتوي بلهيبها اقتصاد البلد وأمنه، إذا ما علمنا أن بين 30 و40 في المائة من دخل المواطن يذهب للإيجار، وإذا ما علمنا أن القطاع العقاري، وهو من أهم دعائم اقتصاد أي دولة، ومئات النشاطات المساندة له ستتأثر سلبا من هذه المشكلة حيث إنها ستعطل طفرة عمرانية في المملكة لم يسبق لها مثيل.
اتفق الجميع على أن أهم سبب ويكاد أن يكون السبب الوحيد هو ارتفاع أسعار الأراضي الذي سببه احتكار المحتكرين لما يزيد على 70 في المائة من مدننا التي نسكن بها أي نحو 97 في المائة من الأراضي الفضاء المتبقية، وهذه كارثة، واتفق الجميع على أن ما يوجد من أراض بيضاء أو مطورة كافية لحاجة المواطن من السكن لمئات السنين. وأخيرا اتفق الجميع على أنه لا يوجد حل لهذه الأزمة إلا بتدخل الدولة، حيث إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
إن كل ما نحتاج إليه لحل أزمة السكن هو فقط 90 مليون متر في الرياض وحدها بينما يوجد في الرياض نحو 2.5 مليار متر مربع أراضي فضاء داخل النطاق العمراني، حاجة المواطن منها أقل من 4 في المائة. وقس على ذلك في جميع مدن المملكة.
ولكن السؤال: هل تستطيع الدولة خفض أسعار العقار وبالتالي حل مشكلة السكن؟
رغم سهولة السؤال إلا أنه عند قراءة تعليقات المواطنين على المقالات الخاصة بمشكلة السكن في مواقع الصحف الإلكترونية وفي تويتر، فإنك تجد صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال. والسبب أن الجميع يُجمع على أن الدولة غير قادرة. ورغم اختلافي مع هذه الآراء التي ترى بأنه لا يمكن لأحد أن يُصدر أي قرار ضد هؤلاء المحتكرين أو المضاربين بسبب نفوذهم، إلا إنني سأجيب عنه بنعم، فالدولة قادرة على حل المشكلة ولن تتركها تتضخم بهذه الطريقة إلى أن وصلت إلى أزمة ثقة بين المواطن والمسؤول، وأزمة كره وحقد من المواطن للتاجر وللقانون الذي سمح للتجار بخلق هذه المشكلة. ولا أشك بأن الدولة بقرار واحد أو تصريح واحد تستطيع خفض الأسعار بما لا يقل عن 30 في المائة.
وهناك عدة طرق تستطيع الدولة اتباعها لخفض أسعار العقار:
أولها بالتصريح من قبل أحد المسؤولين بأن الدولة عازمة على تخفيض العقار بما لا يقل عن 30 في المائة خلال ستة أشهر. وحيث إن السوق العقاري اليوم يوجد به عديد من المضاربين الذين تحكمهم مشاعر الخوف والطمع، فإن أي تصريح يؤكد حرص الدولة على خفض الأسعار فإنهم سيبيعون لا محاله. وهذه الطريقة أضعف الإيمان.
ومن الطرق الأخرى فرض الرسوم على الأراضي البيضاء كما اقترح مجلس الشورى، وهذا كفيل بتخفيض العقار 50 في المائة رغم ما يقال إن التاجر سيُحملها المواطن، حيث إنها نظرية غير صحيحة وقد تطرقنا إليها في مقال سابق.
إلزام مالك الأراضي الخام بالتطوير، وتحديد سقف أعلى من المساحة يستطيع التاجر امتلاكها. ومنع المضاربات على الأراضي السكنية داخل النطاق العمراني. وكذلك نزع الملكيات للمصلحة العامة.
وأنا متأكد أن هناك طرقا أخرى تستطيع الدولة عملها لحل أزمة السكن ومنع احتكار سلعة من أهم السلع وهي الأرض السكنية، ولعل هذه التغطية الإعلامية المكثفة خلال الأسبوع الماضي هي مقدمات لحلول.
الاحتكار والمضاربات على المتبقي من الأراضي اللذان نواجههما اليوم، يُعطلان أكبر طفرة عمرانية ستمر في تاريخ المملكة والتي ستساعد على حل مشكلة السكن وعلى جزء من البطالة وستخدم الاقتصاد السعودي بجميع قطاعاته، وأنا على يقين بأن القيادة لديها الرغبة في تحقيق ما يخدم عموم المواطنين.