البطالة والمبادرة.. تاريخ طويل وحلول مكررة

ليس من العدل والإنصاف الحكم على نجاح أو فشل أي مشروع أو مبادرة قبل الانتهاء من مراحل معينة قد تعطي مؤشرات أولية تمكننا من إيجاد تصور حول نجاح تلك المشاريع أو المبادرات، ولكن هناك حالات ترتبط بتاريخ سابق أو حالات تحيط بها معطيات متغيره قد لا تكون ضمن صلاحية صاحب المبادرة.
ونحن في المملكة، عشنا وعايشنا تاريخا طويلا في تحديات السعودة وإيجاد الفرص الوظيفية للسعوديين الذين عجزت مبادرات سابقة في حل مشكلة البطالة في وقت كان عدد ونسبة البطالة بنسب أقل بكثير مما هي عليه اليوم، ونسبة التعقيدات المحيطة بهذه المشكلة في تلك الأوقات أقل بكثير مما هي عليه الآن.
ولكن التحدي الأكبر والمستمر من وجهة نظري، هو في أن جميع الحلول السابقة والحالية ما زالت تدور حول إيجاد الوظيفة وليس في خلق الوظيفة، بمعنى أن الهدف هو ملء الوظيفة بسعودي وليس تحفيز السعودي نفسه لخلق وظيفة، ولذلك أستشهد بتاريخ خطط التنمية، حيث ركزت الخطتان الأولى والثانية على تحقيق النمو المرتفع في جميع القطاعات مع ترك حرية استقدام العمال الأجانب بلا قيود نسبيا، ومنذ خطة التنمية الثالثة فقط تم التنبه إلى ضرورة إيجاد الوظائف بما يتناسب مع النمو السكاني والاقتصادي، إلا أن الخطة الثانية كشفت عن بعض المشاكل التي عملت الخطة الثالثة على معالجتها، وأهمها فيما يخص هذا الموضوع هو: استمرار عدم التوازن بين احتياجات الاقتصاد المتزايدة من القوى العاملة وعدد السعوديين الجدد الذين ينضمون إلى القوى العاملة، بمعنى أن هاجس السعودة ليس وليد اللحظة، وإنما هو تاريخ بدأ بشكل فعلي من خلال خطة التنمية الثالثة (1400 ــ 1405هـ)، ومن ثم جاءت خطة التنمية الرابعة لتتحدث عن تنمية الموارد البشرية السعودية وإيجاد الوظائف، واستمرت خطط التنمية المتلاحقة في طرق هذا الموضوع من جوانب مختلفة، نحن هنا نتحدث عن أكثر من 30 عاماً من الدوران حول المشكلة، وتعاقبت أجيال وأجيال من التنفيذيين، ولكل وزارة خطة ورجال، ومرت بنا مبادرات متنوعة ومشاريع سعودة متغيرة، والجميع كان يقنعنا بأنه يملك الحل، ويتغير الجميع والمشكلة ما زالت موجودة.
الخلاصة أن أحد أهم مؤشرات النجاح الاقتصادي هو قياس عدد الفرص الوظيفية التي ينتجها الاقتصاد، وليس بعدد الموظفين الذين يتم توظيفهم، والفرص الوظيفية هي نتاج النمو الاقتصادي بشكل عام والقطاع الخاص بشكل خاص. نمو القطاع الخاص يعني بشكل كبير زيادة المنشآت وعليه إيجاد كيانات مستقلة وفرص وظيفية جديدة، ولا تعني نسبة إحلال المواطنين محل الأجانب. ولذلك فإن خلق الوظائف عموما والوظائف الجديدة خصوصا هو حل مشكلة البطالة في الاقتصاديات عموما، ومشكلة السعودة خصوصاً. ولعل المثال الأوضح هو مقارنة نمو واستمرار الشركات الصغيرة والمتوسطة بأعداد الأجانب الذين يعملون لدينا، ويحضرني مثال حول التحويلات المالية للعمالة الأجنبية في المملكة التي بلغت نحو 975 مليار ريال خلال 37 عاما أي خلال الفترة من 1975 إلى 2002، واليوم نجدها تصل 500 مليار ريال خلال السنوات الست الأخيرة، وهذا معدل زيادة كبير جدا مقارنة بعدد الوظائف وأعداد السعوديين الموظفين.
في بلد يملك كل المميزات النسبية اقتصادياً، الحل يكمن في دعم خلق الوظائف، والحل دعم السعودي المبادر لينشئ كيانا مستقلا اقتصاديا، وبدل أن يكون موظفا، يخلق وظيفة له ولغيره، ولذلك فإن الطموح يجب أن يسير على خطين متوازيين، وإن كنت أرى شخصيا أن خط دعم المبادرين هو الخط الذي يجب أن نستثمر وقتنا ومواردنا لإيجاد دعمه وتطويره، على الأقل لإثبات أننا استخدمنا حلا مختلفا عن حلول السنوات الـ 30 الماضية، لتوقع نتيجة مختلفة. فنطاقات نظرياً، قد يوظف السعوديين على استحياء ولفترة محدودة، وهي بذلك تساعد الكبير ليكبر وحوافزها قد تخلق خللا في منظومة المنافسة، فالصغير سيخرج من المنافسة ومن السوق بسبب ارتفاع التكاليف أمام اقتصاديات الحجم المحفزة، وقد تكون النتيجة خروج المبادرين من العمل الحر إلى قوائم حافز. مجرد تفكير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي