في تأجيل إصدار نظام الرهن العقاري

لعله من المناسب، تواصلا مع مقالي السابق المنشور في هذه الصحيفة يوم الأحد 20/10/1432 هـ الموافق 18/9/2011 بشأن ارتفاع أسعار العقار والطفرة التضخمية، أن أعقب على مقال الدكتور عبد الوهاب أبو داهش الذي نشر في هذه الصحيفة في نفس اليوم والتاريخ آنفي الذكر، وبالذات السؤال الذي طرحه ونصه: (من له مصلحة في تأجيل إصدار منظومة الرهن العقاري التي ستسهم بدرجة كبيرة في علاج كثير من تلك الاختلالات؟)، وما أردف هذا السؤال من توقعات قد تقال ورد عليها بقوله: (.. فإن إصدار أنظمة الرهن العقاري لا يعني بالضرورة اندفاع البنوك وشركات التمويل على الإقراض... إلخ). ومع احترامي لرأيه وتوقعاته، فإني أرى عكس ما رآه - تماما - وأرى أهمية تأجيل إصدار نظام الرهن العقاري إلى الوقت الذي تظهر فيه بوادر واضحة لزوال الأزمة السكنية، أو على الأقل تخف نسبيا، وما يعقب ذلك من انخفاض أسعار الأراضي، والوحدات السكنية، وذلك حماية لمصالح أغلبية المواطنين الذين لا يملكون مساكن تؤويهم، وعبر عنهم عدد من المعلقين الذين أشرت إليهم في مقالي السابق، وعددهم 49، وكذلك الذين علقوا على مقالي وعددهم 22؛ إذ تستشف من عباراتهم التفاعل مع ما كتب، والانفعال ضد الغلاء الفاحش للعقارات والأراضي، وكل يعبر عن وجهة نظره حسب مستواه الثقافي والعلمي، وقد يكون من المناسب كتابة تعليق، ومقتطفات من بعض التعليقات ليرى القارئ مدى التفاعل، والانفعال فيما يلي:
1- تعليق عبد العزيز الفارس (كلام منطقي وجميل، ونأمل من حكومتنا الرشيدة الإسراع في حل مشكلة الإسكان، وهناك فكرة أن تبنى ضواح مكتملة الخدمات كما هي التجربة في دول أخرى أقل من المملكة في الإمكانات، لكن قادهم لحل مشكلة الإسكان التخطيط السليم والرغبة الصادقة في حل أزمة الإسكان..)، وأقول لعل هذا يتحقق ببناء الوحدات التي حددت بـ500 ألف وحدة سكنية في مختلف المناطق.
2- عدد من التعليقات أشارت إلى أهمية تدخل الدولة للحد من ارتفاع أسعار العقار والأراضي وتحديد أسعارها كتحديد أسعار السلع الأساسية، ولا يترك الأمر لتحكم تجار العقارات بحجة "الاقتصاد الحر"، ومنهم من رأى الإسراع بفرض الزكاة الشرعية على جميع عروض التجارة ومنها الأراضي والشقق والفلل المعروضة للبيع.
ما أشرت إليه مجرد نماذج مما يقال عما يعانيه كثير من الشباب الطامح إلى تملك سكن يغنيه عن الحاجة إلى الاستئجار ولو شقة صغيرة، ومثل هؤلاء في حاجة إلى الحماية من الانزلاق وراء الاقتراض عندما يفتح المجال من قبل المصارف (البنوك) التي تنتظر صدور نظام الرهن العقاري لتبادر إلى منح القروض بضمانات حقيقية برهن عقار المقترض، فإذا عجز عن سداد الأقساط، أخذ المصرف العقار المرهون، فيحصل نفس ما حصل في سوق الأسهم عندما استولت المصارف (البنوك) على الأسهم المرهونة وباعتها لتحصل على قيمة القرض، وجعلت المقترض ضحية هذا التصرف الذي لم يتوقعه عندما أقدم على الاقتراض لشراء أسهم بأسعار مرتفعة، وبعد فترة فوجئ بانخفاض سعرها، وخسر ما استثمره في الأسهم، وهذا يمكن أن يحصل في سوق العقارات عندما يصدر نظام الرهن العقاري، وبالتالي لا يتحقق التوقع والافتراض الذي ساقه الدكتور عبد الوهاب في مقاله، وأكبر مثال على آثار الرهن العقاري الأزمة المالية العالمية في أكبر دولة من الناحية الاقتصادية، وهي الولايات المتحدة، ومن المناسب أن أورد ما قرأته عن الأزمة ومسبباتها عندما قيل ما نصه: (..إن الإفلاس العقاري أدى إلى انخفاض أسعار المساكن في الولايات المتحدة خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة " 5,9 في المائة" عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2009؛ لأن البنوك تريد التخلص من الوحدات السكنية التي استردتها من المقترضين العاجزين عن سداد أقساط القرض..)، ولنا في ذلك عبرة، ولا بد من الحذر من حصول الإقراض بشكل يؤدي إلى مخاطر اقتصادية بصدور نظام الرهن العقاري؛ إذ مهما وضع فيه من ضوابط وقيود، فإن وسائل التحايل يترتب عليها سوء تطبيق النظام، فيحصل الاختلال والأزمات الاقتصادية التي يكون المتضرر منها المواطن الضعيف، فارتفاع أسعار الأراضي، والوحدات السكنية (التجارية)، وحصول المضاربات والصفقات بين تجار العقار والمستثمرين والمطورين، وما صاحب ذلك من ارتفاع معدل التضخم دليل واضح بأن ثمة خللا اقتصاديا خطيرا، فقد قرأت في هذه الصحيفة بتاريخ 19/10/1432 هـ الموافق 17/9/2001 عن تقرير نسب إلى معهد التمويل الدولي عن معدلات التضخم في المملكة ما نصه: (..وفيما يخص معدلات التضخم يتوقع التقرير أن ترتفع من "4, 9 في المائة" في يوليو 2011 إلى "7 في المائة "نهاية عام 2011، ومن ثم تتراجع إلى "3 في المائة" عام 2012 بسبب حل مشكلة المنازل السكنية..)، وهذا التوقع قد يتحقق لو تم فعلا تنفيذ الوحدات السكنية التي وجه بإنشائها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - التي حددت بـ500 ألف وحدة سكنية، وغيرها من الوحدات التي تقام من المواطنين المقترضين من صندوق التنمية العقارية، ومن قبل الجهات الخيرية، وهذا قد يستغرق أكثر من سنة؛ ولذا قد لا يتحقق ما ذكر في التقرير خلال سنة، وقد يتحقق بشكل تدريجي مع سير تنفيذ الوحدات السكنية لأن هذا سيقلل الطلب، ويزيد العرض بشكل يؤدي إلى انخفاض أسعار الأراضي والعقارات المبالغ فيها خلال هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يتحكم فيها أصحاب المصالح من تجار العقار والمستثمرين والمطورين الذين نسمع أصواتهم من خلال ما يكتب في الصحف، ومواقع الدعايات والإعلانات، وهم حريصون على أن يستفيدوا من الوضع القائم قبل أن تحل الأزمة السكنية من قبل الدولة في ضوء الخطط المرسومة التي نأمل أن تتحقق بأسرع وقت ممكن، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي