عصر التسويق.. المعرفة جوهر الاقتصاد الجديد

دهشت جدا عندما أكد لي خبير في العلاقات العامة وفي التسويق، أن هذا القطاع حيوي ومهم وتعتمد عليه دول كبرى، وأنه قطاع يحتاج إلى مهارات خاصة، فعلم التسويق اليوم يدخل في كل عمل لا بل لا يمكن لأي عمل أن يحقق نتيجة تذكر دون تسويق جيد، والتسويق ليس بضاعة أو إنتاجا فقط بل أيضا تسويقا لأهداف وسياسات وأفكار وبرامج، ولا ينجح التسويق دون إعداد مسبق واستطلاع رأي ومتابعة حثيثة ومعلومات مطورة واستقرار للحاجات وتطورها، وقراءة للبيئة بشكل شامل، ولهذا أكد الكاتب المستقبلي (الفن توفلر) أنه إذا كان جوهر الاقتصاد الجديد هو المعرفة فإن حسن استثمار وتوظيف هذه المعرفة هو التسويق الأمثل لها.
تسويق الأفكار يتم في خدمة السياسة والأمن ومهم للسياسات الفكرية والثقافية والإعلامية، وتسويق المنتجات مهم للمؤسسات الاقتصادية والمالية وتسويق السياسات مهم للحكومات والجامعات، فلكل قطاع أسس تسويقية مختلفة، غير أن ثمة محددات لنجاح العملية التسويقية مثل وضوح الأهداف والرسالة، وأن تنطوي أيضا على فائدة مشتركة وأن تصل هذه الشراكة مرحلة التفكير المشترك وبما بخدم الطرفين، وبما أن التسويق يعمل ضمن وسط اجتماعي مختلف من حيث القدرات المالية والعلمية والمعرفية والفكرية ومن حيث طبيعته الاستهلاكية، فإن السياسة التسويقية يجب أن تحترم عقل المستهلك أولا، وأن تحقق جانبا من رغباته وتوقعاته وأهدافه وأن تنعكس ضمن هذا المنتج.
اللافت للانتباه أن البعض اليوم يفصل ما بين المؤسسة (الإعلامية، الثقافية، الفكرية) وبين المؤسسة المالية التي ترغب في استهداف المستهلك والجمهور والزبون لتصبح العلاقة علاقة فائدة ومصلحة، وتنتهي إلى (البزنس) بينما يؤكد خبراء التسويق أن العلاقة الناجحة هي تلك التي تتجاوز هذا البعد النفعي إلى الشراكة والتفكير المشترك وهذا يتطلب وجود علاقات عامة نوعية، والمقصود بالنوعية هو تجاوز العلاقات النمطية لأن التسويق والإعلان عن المنتج هو جزء من عمل هذه المؤسسة وواحد من أهدافها وبتالي فإن معرفة المطبوعة الإعلامية بأهداف المؤسسة التي تعمل للتسويق لها تتطلب معرفتها البيئة المستهدفة حيث يمكن حينها أن يقرر شكل الإعلان مثلا وتوقيته وتصميمه، وأحيانا الألوان والزوايا ومدى قوة الفكرة المطروحة والتصاقها بالذاكرة، وكيف تصاغ وتكون الأفكار مختصرة وفلاشات لا تنسى، فكثير من الكلمات والعبر لا تنسى وترسخ في الذاكرة والذهن، وهذا هو حال الإعلان المميز كأحد الجوانب التسويقية عدا عن ميزة الحضور الدائم ولكن دون أن يكون لذلك ظهور فاقع وممجوج.
والتسويق يجب أن يبتعد دائما عن التركيبية والتعقيد وأن يعتمد على الشفافية والبساطة والوضوح بتعدد الآليات التسويقية، وأبلغ الإعلانات التسويقية هي الإعلانات الصامتة والمعبرة عن المنتج بشكل غير مباشر، حيث إن التسويق يحتاج إلى ثقافة متنوعة، لكن ما هو معمول به اليوم من قبل بعض العاملين في قطاع التسويق منفر لعدم اعتماده على أسس حقيقية، وعدم وجود قراءة للخصائص النفسية للمعلن لأن فيه إصرارا وعملية استحواذ وتخجيل وضغط، وهذه المعطيات لا تتناسب والبناء النفسي مثلا للمواطن السعودي، فثمة مفاتيح لكل شخصية وثمة توقيت مناسب للحديث معه، وثمة فكرة يجب أن تطرح وتناقش وهذا غالبا ما لا تدركه الجهات التسويقية بل تعطي انطباعات سلبية مضادة أحيانا.
الدعاية علم يحتاج إلى قدرات فائقة لا أحد يستطيع التعامل معها إلا لمن له معرفة بأسسها وأصولها، حيث إنه علم له علاقة قوية بكل العلوم الإدارية والتنظيمية وعلم النفس والمجتمع واتخاذ القرارات والاقتصاد، وللتسويق استراتيجية محددة للفئات المستهدفة، كما أن هذه الاستراتيجية تختلف بحسب القطاع المستهدف والجنس والعمر والدخل، فالدعاية والإعلان في المؤسسات العالمية تركز على الجودة وعلى السهولة والبساطة وعلى الاستمرار والاستقرار والأفكار الابتكارية المبدعة، ففي الإعلان لإحدى الشركات الألمانية فقد ابتدع مصمم الإعلان والعلامة التجارية فكرته من لسان الناس وأفكارهم اليومية المتداولة، ولهذا أقبل الناس على هذا المنتج وهم مزودون بذاكرة قريبة منه تجعله قريبا من حياتهم اليومية، ولهذا فإن التسويق الدعائي والإعلاني ابن البيئة ومنها يصوغ أفكاره باقتناص أمثال شعبية رسمها في سيقات دعائية قريبة من الناس.
ما دعاني للتطرق إلى هذا الموضوع عدة دورات شاركت فيها في أمريكا وأوربا وآخرها في دبي عاصمة الدعاية والإعلام والتسويق المميز، لقد كانت معظم هذه الدورات متخصصة وحول استراتيجيات الدعاية والتسويق والإعلانات التجارية، وكيف تقنع الآخرين بمادة إعلانية وتسويقية شيقة تستطيع من خلالها الاستحواذ على عقولهم والسوق الإعلاني أو على نصيب وافر منه، فالتسويق مرتبط بالعلاقات العامة Public Relation وأيضا علم مرتبط بالدبلوماسية العامة Diplomacy Public تستطيع التأثير في الأفراد والمجتمع وتعديل مزاجهم وتوجهاتهم، حيث كان القائمون على هذه الدورات المتخصصة نخبة من خبراء الإعلام والعلاقات العامة والتسويق والإعلانات التجارية ولهم تجاربهم المتميزة في هذا المجال، لقد أضافوا لي مهارات وقدرات نوعية ومتميزة، ضاعفت مخزون معرفتي وخبرتي في تطوير أعمال التسويق والدعاية والإعلان بمواصفات ترقى إلى العالمية، لأن علم إدارة التسويق ما زال لدينا في بدايته ويحتاج إلى كثير من التطوير والدراسات وما هو موجود في منطقتنا هو مجرد علاقات عامة فقط بحدودها الدنيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي