إنهم أحلامهم المؤجلة

لدي قلق دائم يدفعني دوما للتأكد من عدم اقترابي من ذلك الفخ الذي يسميه خبراء التربية "النجاح بالوكالة" والذي يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات، حيث يضغطون على أبنائهم للوصول للتفوق والإنجاز مما قد يحرمهم حق الاستمتاع بممارسات الطفولة العادية، وكثيرا ما تكون هناك دوافع نفسية خفية تسعى لتحقيق تلك الأحلام المؤجلة للوالدين من خلال أبنائهم.
ورغم تلك النوايا الإيجابية التي تدفعنا لأن نتمنى لأطفالنا أن يبلغوا أقصى إمكاناتهم واستعدادنا للتضحية بالوقت والجهد والمال لتغذية مواهبهم، وشعورنا بالفخر إزاء إنجازاتهم وبالألم عند إخفاقهم، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل ذلك السؤال: إلى أي مدى يتعين على المربين من الآباء أو المعلمين وأولياء الأمور ممارسة الضغط على الأطفال لإيصالهم للأفضل؟ وكيف نضمن أن ذلك هو الأفضل؟
قد تجيب عن السؤال تلك المعجزة الموسيقيةRuth Slenczynska في كتابها Forbidden Childhood الذي يحكي سيرتها الذاتية ومدى البؤس الحقيقي الذي كانت تعيشه مقابل تطوير موهبتها الموسيقية، فقبل أن تجيد تعلم نوتة موسيقية معينة إلى المستوى الخيالي الذي يطالبه بها أبوها كانت تتلقى مقابل ذلك عددا غير معروف من الصفعات واللكمات على الأذنين وتشتم بأصناف شنيعة من الشتائم، ويتم دفعها بعنف عن مقعد البيانو في حالة غضبه، ولم يسمح للحظة من حياتها في أن تضيع باللعب بالدمى أو نط الحبل أو ركوب الدراجة واللعب مع الأطفال الآخرين، ومع ذلك فقد امتلكت شهرة دولية وهي في الرابعة من عمرها وقد تم التصفيق لها في المسارح العالمية، ومن المؤكد أن والدها مقتنع بأنه كان يفعل الأفضل لابنته على الرغم من ممارساته الأبوية المسيئة التي شملت العنف الجسدي واللفظي.
هذا ما يحذر منه خبراء علم النفس التربوي، فالعديد من الآباء قد حولوا طفولة أبنائهم إلى سباق شاق نحو القمة، لأنهم قرروا أن طفلهم ينبغي أن يكون كل شيء كانوا يتوقون أن يكونوه ولم يستطيعوا، وهم يرون أن أطفالهم هم أملهم الكبير والأخير، وتدفعهم الرغبة في إحياء أحلامهم إلى دفع الطفل إلى ما وراء قدراته، وهم بذلك يخاطرون بصحته الجسدية والنفسية من أجل إرضاء احتياجاتهم الذاتية الخاصة، ولهذا يجب على الأبوين الناضجين أن يكونا قادرين على تفهم احتياجات طفلهم النفسية والفسيولوجية ثم يتخذان القرارات بناء على ذلك وليس على مستوى رغباتهم، وألا يشعر الابن بأن حب والديه متوقف على الفوز أو الامتياز في أي تقدم تعليمي أو رياضي أو اجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي