كلمة الملك أمام مجلس الشورى.. ترسيخ للانتقائية

طلب مني الزملاء في قناة الاقتصادية السعودية التعليق على كلمة خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي، وقد كانت مشاعرنا، مقدم البرنامج الأستاذ عبد الرحمن البشري وأنا، خليطاً من الرهبة لما سيقوله الملك من جهة، والتوتر لعدم التحضير حيث سنعلق على ما سيقوله الملك على الهواء مباشرة ونحن لا نعلم ماهيته من جهة أخرى.
برزت أهمية كلمة الملك أمام الشورى من خلال ثلاثة محاور؛ فهي للملك وهذا يكفي، ولكن هناك سببين آخرين إضافيين لهذه الأهمية الأول أنها أمام مجلس الشورى والذي يفترض فيه أن يمثل المجتمع بأطيافه المختلفة مناطقياً وقبلياً وجغرافياً ومهنياً، الثاني أنها الكلمة الرئيسية الدورية للملك التي تتناقلها وسائل الإعلام محلياً ودولياً بصفتها منهجية عمل للدولة، وفيها يخاطب الملك شعبه بصفته الوالد للصغير والأخ للكبير والداعم للفقير والمحتاج.
وقد كانت كلمة الملك كذلك، حيث فاحت بالأبوة الحانية والعاطفة الجياشة التي لمسها وأحس بها كل من سمع كلمته وفقه الله، وتجلى ذلك في استهلال الكلمة وتوجيهها إلى الإخوة الكرام مرة، ثم الأخوات مرة أخرى، ثم وصفه للملك عبد العزيز - رحمه الله - بوالد الجميع.
كما اشتملت الكلمة على ربط الدولة ربطاً أصيلاً بالدين والشريعة من حيث الشكل والمضمون، واعتبارها العمود الذي قامت عليه الدولة، فابتدأت الكلمة بالبسملة والصلاة والسلام على رسوله ثم بالسلام على الحضور والدعاء لأعضاء المجلس وسؤال الله لهم بالتوفيق، كما ربط الملك - وفقه الله - تطوير ميراث المجتمع بما يتفق مع قيمنا الإسلامية، ووصف ذلك كله بالأمانة والمسؤولية تجاه الدين، كما ربط مواجهة عقبات العصر بالتوكل على الله، وربط التحديث بموافقته للشريعة، ثم استشهد بتاريخ المرأة المسلمة وموافقة الكثير من العلماء الشرعيين كمبرر لقرار مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجلس البلدي، إضافة إلى ربط تلك المشاركة في المجلسين بالالتزام بالضوابط الشرعية، وفي ربطه لتقديم الرأي والمشورة بثوابت الدين وضوابط الشريعة تعزيزاً لهذه الرابطة الوثيقة، وكما بدأ - حفظه الله - فقد ختم كلمته المختصرة الضافية بسؤال الله عز وجل التمكين والعزة والعون.
الفقرة الأولى من الخطاب كانت لمسة وفاء من الملك عندما قرن ذكر الموحد - رحمه الله - بآباء وأجداد المواطنين، الذين عملوا وصبروا وعانوا من أجل توحيد الجزيرة على قلب رجل واحد ورابطة واحدة.
الفقرة الثانية كانت استدعاءً للعمل والعزيمة والصبر على المكاره، في سبيل التحديث المتوازن، وطلباً للمبادرة ورفضاً للتردد والتخاذل، تضامن ذلك مع التأكيد المركز على أهمية الإنسان والمواطن وصيانة الحقوق.
الفقرة الثالثة اشتملت على قرارين مهمين في مسيرة المرأة السعودية، وهي المشاركة في مجلس الشورى، والمشاركة في المجلس البلدي ترشيحاً وانتخاباً.
الفقرة الأخيرة في رأيي كانت تمثل منهج العمل الذي يجب التركيز عليه، وقد اشتملت على أمرين مهمين كانت ملخصاً لمنهج عمل القائد الوالد عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وهي تذكرني بخطبة الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - عند توليه الخلافة لما قال: "لقد و ليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، و اعلموا أن القوي فيكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله والضعيف فيكم عندي قوي حتى آخذ الحق له إن شاء الله"، في ختام كلمته فصّل الملك - حفظه الله - الحقوق وأكد حق المواطن على ولي الأمر لتحقيق كل أمر فيه عزة المواطن وكرامته ومصلحته، ثم أكد حق ولي الأمر على المواطنين بتقديم الرأي والمشورة والنصيحة، لاحظ هنا لم يقل نسمع النصيحة وإنما طلب المشورة والرأي.
خلال الحلقة التي تم بثها على الهواء، سألني المقدم المتميز عما ينشده الشعب من قائده، فذكرت له مما ذكرت، ثلاث قضايا تحدث عنها الإعلام بشكل مستفيض وهي البطالة والإسكان والفقر، وهذه القضايا تم اعتماد العديد من الحلول لها، بل إن قرارات الملك بخصوصها عجزت الجهات التنفيذية عن مجاراتها من حيث سرعة التنفيذ وجودته، وقد صرح الملك أكثر من مرة عن عدم رضاه عن تنفيذ القرارات الذي كان ولا يزال بطيئاً برغم الاعتمادات المالية الضخمة المرصودة لها مما يوضح أن المشكلة إدارية أكثر منها مالية، الشاهد في الموضوع هو قيام معظم وسائل الإعلام والكتّاب بإغفال جل مضامين كلمة الملك والتي شكلت منهج عمل للدولة ولمجلس الشورى وللجهات التنفيذية ولعامة الشعب، واختزالها في القرارات التي سمحت للمرأة بالمشاركة في المجلسين، على الرغم من أنني مع مشاركة المرأة في أي مجال يمكنها المشاركة فيه بإيجابية وموضوعية وبانضباط شرعي، إلا أنني أرى في خطاب الملك العديد من الإشارات المهمة من أبرزها منهج الملك في طلب الرأي والنصيحة والمشورة من المواطنين وهو بلا شك أهم وأبرز من مشاركة المرأة ، والأهم من كلا الأمرين ولا يقل عنهما هو ما أشار إليه الملك - وفقه الله - عن حرصه على عزة المواطن والاهتمام بكل ما يهم مصلحته وأن لا تمس كرامته بسوء، في رأيي أن الإعلام المرئي والمقروء والمسموع لم يتطرق كثيراً إلى هذه المضامين السامية والرفيعة وركز فقط وبانتقائية ملحوظة على مشاركة المرأة!!
السؤال الأهم: هل هي انتقائية الإثارة الصحفية؟ أم أنها انتقائية الفكر والأيديولوجية؟ أم أنها انتقائية الهوى؟
في رأيي وبغض النظر عن المسببات أنها في أقل الأوصاف سقطة إعلامية مهنية!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي