الفائدة الصفرية معضلة في ملف الاحتياطي الفيدرالي

منذ عقد ونيف، أمضيت ساعات عديدة في بنك اليابان أتحدث مع المسؤولين عن تناقضات أسعار الفائدة بالغة الانخفاض. في ذلك الوقت تعرض المسؤولون في بنك اليابان لضغوط شديدة من السياسيين ومن الأسواق كي يعززوا النمو، لذلك كانوا يقومون كما ينبغي، بتنفيذ سياسة التسهيل الكمي، أو جعل سعر الفائدة صفراً.
لكن كلما أمعنوا في تجربة سياسة الفائدة الصفرية، بدوا أكثر تشككاً حول ما إذا كانت هذه السياسة تنجح في حقيقة الأمر. واشتكوا من أن المشكلة الأساسية هي أن نظام اليابان المالي انهار لدرجة أنه أصبح شديد الانقسام: بعض الشركات كانت في حاجة ماسة للنقد، لكن لم تتمكن من الاقتراض لأن البنوك كانت تنفر كثيراً من المغامرة لدرجة لم تكن معها على استعداد لتحمل الخطر الائتماني في ظل سياسة الفائدة الصفرية، أو من دونها.
لكن الشركات التي كانت في وضع جيد ولم تكن بحاجة إلى القروض كانت تجد سهولة بالغة في جمع الأموال. وكانت النتيجة فخ سيولة كلاسيكي. وترك ذلك الوضع رجالاً مثل ماسارو هيامي، الذي كان آنذاك محافظاً لبنك اليابان، يقول مازحا في مجالسه الخاصة إنه ينبغي عليه حقاً أن يرفع أسعار الفائدة – لا أن يخفضها – لأن من شأن ذلك على الأقل أن يدخل السعادة إلى قلوب المدخرين الذين يعانون منذ فترة طويلة.
وفي هذه الأيام يخيم ظل اليابان على بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (ليس فقط لأنه عندما كان بن برنانكي أستاذاً جامعياً كان يكتب بإسهاب عن سياسة معدل الفائدة الصفرية ويتساءل عما إذا كان هيامي يبذل قصارى جهده). وفي الأسبوع الماضي أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن أحدث شكل مختلف من نسخته المشغولة محلياً من سياسة الفائدة الصفرية: ما تدعى عملية ''التويست''، وهي خطوة يشتري بموجبها السندات طويلة الأجل وأوراق الرهن العقاري، بدلاً من الدين والسندات الحكومية قصيرة الأجل.
وتهدف هذه العملية إلى خفض تكاليف الاقتراض لأجل طويل، وبالتالي عرض مزيد من الائتمان لقطاع الشركات ولعالم الرهن.
لكن مشكلة الاحتياطي الفيدرالي – مثل اليابان قبل عقد من الزمن – هي كما يعبر عنها صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له عن الاستقرار المالي، أن الاقتصاد ''منقسم''. ذلك أن كثيرا من الشركات الأمريكية الكبيرة، خاصة تلك التي لديها عمليات عالمية، تحقق أرباحاً عالية ولديها سيولة. ولا غرابة بالنسبة لها ''أن شروط الإقراض التي تفرضها البنوك والتمويل الذي تقدمه أسواق المال تظل سهلة'' كما يلاحظ صندوق النقد الدولي.
لكن الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، أي الكيانات التي تخلق الوظائف داخل أمريكا وليس في الخارج، تجد صعوبة في جمع الأموال. وتلاحظ دراسة مسحية أجراها الاتحاد الدولي للشركات الفرعية في واشنطن، مثلا، أنه بينما توقع نصف أعضائه في آذار (مارس) أن يطرأ تحسن على شروط الائتمان في المستقبل القريب، فإن أقل من ربع الأعضاء الآن يتوقعون حدوث أي تحسن، حتى مع تراجع عوائد سندات الخزينة.
ويوجد انقسام في سوق الرهن أيضاً. ففي يوم الخميس أعلنت مؤسسة فريدي ماك أن متوسط سعر الفائدة على رهن تقليدي مدته 30 عاماً بفائدة ثابتة، هوى إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، بانخفاضه إلى 4.01 في المائة (وفي المناطق الغربية الأمريكية إلى 3.95 في المائة فقط)، في أعقاب عملية ''التويست''. ويتحدث مصرفيون في وول ستريت عن قصص الممولين الأذكياء الذين يقومون بإعادة تمويل القروض التي حصلوا عليها لشراء المنازل بأسعار فائدة متدنية للغاية. لكن كما يقول تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي: ''كيما يستفيد المقترضون من تدني أسعار قروض الرهن، يترتب عليهم أن يعيدوا تمويل قروض رهونهم، وهو أمر يمكن أن يكون صعباً وحتى مستحيل، إذا تآكلت قيمة حصة المالك في منزله''. وبعبارة أخرى، عملية ''التويست'' لا تفعل شيئاً للأسر التي أصبحت حصتها في المنزل سالبة (يقدر عددها بربع العدد الإجمالي من أصحاب قروض الرهن) ولا للأسر المكروبة (ربع آخر). والأسوأ من ذلك حتى، أنه غير مسموح لمؤسستي فاني وفريدي بإعادة تمويل قروضهما. لا عجب إذن، أن تنخفض الموافقات على قروض الرهن بصورة أسرع في المجتمعات ذات المستويات العالية في الحصة السالبة، التي وضعت مؤسسات الرهن يدها على منازلها- وتحديداً الشريحة التي يريد الاحتياطي الفيدرالي أن يساعدها.
هل هناك من حل؟ في الاجتماعات التي عقدت في صندوق النقد الدولي في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وقعت المقترحات في ثلاث فئات. تريد بعض الأصوات، خاصة في أوروبا، أن تقوم الجهات التنظيمية بـ ''حث'' البنوك على الإقراض، عن طريق الأهداف أو الضغوط السياسية. انظر، مثلا، إلى النداءات التي وجهتها هذا الأسبوع لجنة السياسة المالية في المملكة المتحدة (التي تواجه بدورها مشكلة انقسام). لكن جهات الضغط التي تعمل لصالح البنوك ترد على ذلك قائلة إن حلاً أفضل يتمثل في تخفيف الجهود الرامية لتشديد معايير رأس المال. وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن ما يضر بتوفير الائتمان هو التنظيم المفرط وعدم اليقين.
في هذه الأثناء، يضغط بعض الخبراء الاقتصاديين على الاحتياطي الفيدرالي وعلى البنوك المركزية الأخرى للتدخل بشكل أكثر مباشرة في الإقراض. ألان بلندر، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، مثلا، يحب فكرة قيام الاحتياطي الفيدرالي بشراء مزيد من سندات الرهن، أو حتى قروض الشركات. ويتمثل اقتراح آخر يجري الترويج له، في توريق القروض الممنوحة للشركات الأمريكية الصغيرة. ويمكن أن يتم شراؤها بعدئذ من قبل الاحتياطي الفيدرالي عن طريق نسخة أخرى من عملية ''التويست''.
هذه الأفكار يمكن أن تساعد قليلاً، ذلك أن شراء حزم مورقة من القروض الممنوحة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، مثلا، يبدو معقولاً. لكن لا تشكل أي من هذه الأفكار حلا سحرياً، على الأقل في وقت تجعل فيه متاعب منطقة اليورو البنوك الأمريكية أكثر نفوراً من المخاطر. لو كان هيامي ما زال حياً، لكان من المثير أن نعرف النصيحة التي سيقدمها. وأكثر إثارة حتى أن نعرف كيف يمكن أن يرد برنانكي عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي