أوقفوا النحنحة!
والنحنحة في ثقافتنا معناها: بعد إذنكم!
ولا صلة لها بحاجة فيزيائية حقيقية لتسليك البلعوم أو ما شابه!
وهي سابقة لفعل مداهمة.. كحاجة رجل للعبور بين جمهرة نساء، والقصد أنا قادم يعني قادم.. وما على المحسنين من سبيل!
أما النحنحة، موضوع اليوم، فهي كل نحنحة يصدرها أي مسؤول خدمي في لقاء أو حوار متلفز. وفيها يعلن هذا المسؤول عن أنه موشك على قول ما لا يمكن تبريره.. ولا فهمه.. أو تجاوزه.
مثال:
المذيع: كيف تفسرون عدم توفيركم للخدمة الفلانية في القرية الفلانية؟
المسؤول: احم.. احم.. الحقيقة نحن نعمل ضمن خطة عمل...إلخ!
وأثناء عملي لحوارات صحفية في سنوات مضت، مررت بحالات نحنحة مستعصية، لكن سمة العمل الصحفي الورقي أعفت الكثير من ضيوفي من أن ينتهي أكثر من نصف حوارهم معي إلى نحنحة فقط.. بعد التفريغ! أما كارثة الحوار التلفزيوني المبثوث على الهواء مباشرة كامنة في ظهور النحنحة من مصدرها.. ووصولها طازجة إلى متلقيها. وعندها عليك أن تدرك عزيزي الشريك في المواطنة أن الأمر سيتخطى وعيك وسيخضع لوعي واحد لا ثاني له، واسمه: وعي الـ "ماعليش"!.
من هنا، وددت أن أسوق نصيحة لمن لم يدركوا متطلبات المرحلة، أداءً وحضوراً. وأخص بالذكر كل مسؤول خدمي مستقبلي في زمن صار فيه الإعلام مستراحاً عند كل إشارة مرور حمراء! والإعلام الآن رفيق جيب الإنسان.. والملايين منا قادرون على استحضاره بكبسة "آيفون".. فانتبهوا رجاء لما تقولون!
أحس أحياناً أن هناك مطلباً شعبياً يدعو لوقف نحنحة كل مسؤول عن خدمة لها صلة بتنمية هذا البلد! وأذكر أن جارنا أبوعلي كان يرتبك كثيراً عندما يسمع نحنحة مسؤول في حوار متلفز، فيقول: "إييييه.. الدعوة فيها نحنحة!"، تعبيراً عن عدم تفاؤله بسماع ما يطرب آذنيه من وعود.. حتى لو كانت وهماً. وإجمالاً، لا أستطيع أن أقسو على كل (شقيقي) من أحبتنا المسؤولين وأطالب بوقف فوري للنحنحة! فهذا فيه من القسوة الشيء الكثير. بل سأطالب مبدئياً أن يتم استبدالها بكحة خفيفة، أو تنهيدة سريعة، أو شهقة موزونة وغير مفتعلة. ومع الوقت.. سيعتاد (شقيقي) المسؤول استبعاد الفاصل الدراماتيكي هذا.. وقول الحقيقة المجردة دون تهيئتنا لها بفاصل نحنحة أو أي بديل آخر!
وهذا تمهيد مبدئي لمرحلة أهم من وقف النحنحة، وهي الوصول بكل مسؤول مؤتمن لمرحلة من مبادلتنا الثقة بالاعتذار! ومن منا تراه معصوما من التقصير؟ لكن حتى ذلك الحين، أتمنى أن نرى انحساراً في النحنحة، وتصاعداً في توظيف البدائل من تنهيد وشهقة وغيرهما.