يرحمك الله يا فقيد الوطن
عندما يرحل الكبار يبقون أبداً خالدين في حياتنا وتبقى أعمالهم وإنجازاتهم تحدث عنهم وتذكرنا بهم دوماً. إن فقيد الأمة الكبير سيدي صاحب السمو الملكي الأمير/ سلطان بن عبد العزيز - يرحمه الله - وخلال مشوار حياته قد آل على نفسه أن يكون لصيقاً بهموم مواطنيه ونصيراً ويداً حانية للضعفاء والمستضعفين والفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات واليتامى والأرامل.
رحل عن هذه الفانية سلطان الخير - يرحمه الله - وهو الذي تتلمذ في فن السياسة على يديّ والده الملك المؤسس - طيب الله ثراه - وخرج من كنفه متشبعاً بحنكته وخبرته في العمل السياسي العام. وبدأ ذلك منذ ريعان شبابه، إضافة إلى خبرته الكبيرة من خلال عمله مع إخوته الملوك الكرام - رحمهم الله - إلى أن أضحى ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى تحمله مسؤولية وزارة الدفاع والعديد من أجهزة الدولة الأخرى المهمة والحساسة في عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - وظل في هذه المناصب حتى وافته المنية فله المغفرة.
كان الراحل - عليه رحمة المولى ورضوانه - رجل دولة من طراز فريد وقف إلى جوار إخوانه الملوك - يرحمهم الله، وإلى جوار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - كذراع يمنى له في مختلف الشؤون والأمور والقضايا، وتسلم عدة ملفات وطنية وإقليمية ودولية مهمة وحساسة وعالجها بكل الحكمة والحصافة السياسية الكبيرة، وإليه - يرحمه الله - يرجع الفضل في وضع اللبنات المتينة والأسس القوية لبناء جيش حديث قوي للمملكة وتجهيزه وتدريبه وتسليحه بأحدث ما وصلت إليه تكنلوجيا السلاح ليضطلع بدوره في حماية تراب هذا الوطن الطاهر الأبي.
أما على الصعيد الإنساني والخيري فقد كان الفقيد الراحل يجسد دوماً الجانب الإنساني النبيل والكريم والشهم، حيث كان حريصاً على التقرب من مواطنيه ومشاركتهم آلامهم ومشكلاتهم وهمومهم حتى يقف عليها ويضع الحل لها، حيث كان أميراً شيمته التواضع وإسداء الخير للآخرين، حيث كان مجلسه يتألف من الفقراء وأصحاب الحاجات وغيرهم. وكان يبحث دوماً عن المرضى ليتكفل بعلاجهم حتى عُرف بأنه نصير كل مريض، ولم يُعرف عنه قط أن رد أي إنسان داهمه المرض أو الحاجة.
رحل عن هذه الفانية سلطان الخير وأمير العطاء ونصير المحرومين الذي امتدت أياديه ومعروفه ووقفاته الإنسانية والخيرية النبيلة إلى كل الفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات وغيرهم داخل المملكة أو خارجها، بل على المستوى الإقليمي والدولي، حيث توّج هذا الجهد الإنساني الكبير بإنشائه - يرحمه الله - مؤسسة سلطان الخيرية التي امتدت لتواسي المحرومين وتمسح الدمع عن عيون الأيتام والأرامل وغيرهم من الفقراء الذين هدّهم الدهر والفاقة والحاجة. ولم يقتصر هذا الدور الخيري والإنساني على الجانب المحلي فحسب، وإنما امتد ليشمل الفقراء والمحرومين في بقاع الأرض كافة، حيث امتدت يداه بالعطاء لمساعدة وإغاثة الفقراء والمستضعفين في كل مكان. ثم كانت له - يرحمه الله - لفتة بارعة عندما أمر أن تُعنى تلك المؤسسة بمساعدة الجوانب العلمية ودعم الجامعات والكليات وحتى المستشفيات العامة أو الخاصة، وتوفير سائر مستلزمات ذوي الاحتياجات الخاصة من الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها.
جاء الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى هذه الدنيا متواضعاً ومحباً لتقديم الخير للآخرين ورحل عنها وهو أكثر صدقاً وأعطر سيرة وأبقى ذكرى. وعزاؤنا أن إنجازاته الوطنية الكبيرة وأعماله الإنسانية الشهمة والنبيلة الكثيرة والمتعددة ستظل باقية، بل شامخة وسامقة تحدث عن سيرة أمير أحبه مواطنوه وقرنوا اسمه بالخير ووضعوه في حدقات عيونهم وسويداء قلوبهم، وبرحيله يفقده الوطن ويفقده المواطن ويفقده البناء والتنمية، وتفقده مملكتنا الغالية وهي أحوج ما تكون لخبرته وحنكته، ولكن هذه إرادة الله التي لا راد لها. نسأل الله العلي العظيم أن يجبر الكسر وينسي الرزء ويهوّن عظم المصيبة وفداحة الفقد ولوعة الفاجعة، ويلهم سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو النائب الثاني - حفظهما الله - والأسرة الكريمة المالكة، بل ويلهمنا جميعاً الصبر وحسن العزاء والسلوان في هذا المصاب الوطني الأليم على سلطاننا الشهم الكريم والنبيل، وأن يتقبله المولى عزّ وجلّ القبول الحسن في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، فلله ما أعطى ولله ما أخذ ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنّا لفراقك لمحزونون يا سلطان الخير.