سائقو الأجرة في المطارات المتربصون بالمسافرين

لا أعلم ما أسوأ شيء يفكر فيه المسافرون الواصلون إلى مطاراتنا؟ أما بالنسبة لي، فأرى أن المتربصين بالمسافرين القادمين وهم من أطلق عليهم لفظ ''الزنانين''، ويسمون أنفسهم ''الكدادين''، أياً كان الاسم فإن هؤلاء يثيرون المحفزات العصبية بالنسبة لي ولكل مسافر وصل للتو إلى المطار! و''الكداد'' صفة مرجعها الكد، أي العمل بأجرة، وعرفاً فإن الكداد هو من يتكسب عن طريق نقل البشر ''الأوادم'' أو البضائع بوسيلة النقل التي يملكها، أما الزنانون فهم من يمارسون هذه العادة ليس باللسان والفم فقط، بل يتجاوز ذلك إلى أجزاء أخرى من الجسم، فالعين واليد كذلك... إلخ.
في مطاري الرياض وجدة خصوصاً، وكذلك معظم مطارات المملكة عموماً، فإنه بمجرد تجاوزك خارجاً من بوابة القدوم تنهشك عيون هؤلاء الكدادين ثم يبادرون بسؤالك (تبي تاكسي، تطلب سيارة - تدور تاكسي - نخدمك بتوصيل - وين رايح)، وأنت لا هم لك إلا الرد (لا شكراً - معي سيارة - سيارتي برا - معي سائق - سيارتي في الموقف).
هؤلاء الزنانون موجودون في كثير من مطارات العالم الثالث (وبلفظة أخرى العالم المتخلف)، ووجودهم في مطاراتنا يصنفنا ضمن هذا العالم الثالث (المتخلف!)، فتراهم في دلهي وجاكرتا وصنعاء والقاهرة، والمسافر دائماً يحذر من التعامل معهم .. لماذا؟ لأن سمعتهم سيئة، فهم عاملون غير رسميين، وسياراتهم خاصة غير مرخصة، والسعر يحدده العرض والطلب، إضافة إلى قاعدة كيف تضحك على اللي قدامك؟!
المشكلة الأخرى وهي لا تقل أهمية عما ذكر أعلاه، إن هؤلاء الطفيليين على مهنة تاكسي المطار، يقفزون على كل حواجز النظام للحصول على الراكب، ومن أهمها التعدي على سائقي التاكسي الذين يتمرمطون أكثر من ثلاث ساعات للحصول على راكب عن طريق الانتظار خارج الصالات، في حين يصل الباشا، ويوقف سيارته في أي مكان، ثم يصطاد فريسته ويضرب ويهرب خلال أقل من ربع ساعة! أي عدل وأي تنظيم هذا؟
في أي مطار أذهب إليه، أستخدم التاكسي الرسمي إذا لم يكن هناك أحد لاستقبالي، وأرى أن هذا التصرف من لوازم المواطنة، وفي إجازة نهاية الأسبوع هذه وصلت مطار الرياض، وكعادتي تجاهلت السادة المعروفين بالزنّ، وخرجت إلى موقف التاكسي وفوجئت بأنه لا توجد تسعيرة محددة، كما أن السائقين يرفضون الاحتكام إلى العداد، فما كان مني إلا أن ركبت مرغماً مع سائق تاكسي الذي كان مصادفة سعودي الجنسية.
السائق السعودي الذي كان أميناً ومثالياً كما رأيته؛ فتح معي حديثاً حول عدم رضاي عن التسعيرة التي طلبها لإيصالي إلى منزلي، وبدأ يشرح لي معاناته في مهنة المتاعب، وبدأ يشتكي من التسعيرة القديمة التي وضعت وقت افتتاح المطار، التي جادلته فيها بأن سعر البنزين الحالي أرخص من سعره آنذاك، لكنه حاجّني بأن جميع احتياجات المعيشة زادت ابتداء من رغيف العيش حتى أسعار الأراضي مروراً بكل ما يخطر لك على بال، كما أنه لازدحام طابور التكاسي فإنه بالكاد يحصل على مشوارين قد تزيد إلى ثلاثة يومياً، الغريب في الأمر أنه صارحني حول أن بعض سائقي التاكسي يلعب بالعداد، وبالتالي فبدل احتساب 1.6 ريال لكل كيلو متر يمكن زيادة المبلغ، حتى إن بعض السائقين الغشاشين الذين يعرفهم يعدلون العداد ليحتسب أربعة ريالات لكل كيلو متر.. هل يعقل هذا؟! لذلك أنصح كل راكب بأن يتحقق من صحة احتساب العداد عند ركوبه التاكسي، والأهم من ذلك قيام الجهات المختصة بالفحص الدوري المفاجئ لسيارات التاكسي وفحص العدادات وإعلان الأسعار بشكل مستمر وتحذير الجمهور من الغش المطبق من بعض ضعاف النفوس في هذا القطاع.
لماذا نتحدث عن تسعيرة وهناك عدادات في سيارات الأجرة؟ في كثير من الدول يكون فتح العداد للمواقع التي ينتظر فيها السائقون مبلغاً أكبر، ففتح العداد في السعودية يبلغ خمسة ريالات ويغطي كيلو مترين يبدأ العداد بعدها بالاحتساب بمعدل 1.6 ريال لكل كيلو متر، لماذا لا يكون فتح العداد في المطارات 20 ريالاً مثلاً ثم يبدأ العداد في الاحتساب بمعدل 1.6 ريال لكل كيلومتر بعد كيلومترين وبذلك نغطي تكاليف الانتظار الطويل لسائقي الأجرة في المطار.
في هذه المرة لاحظت وجود لوحة كبيرة أمام صالة الوصول تحذر أو تشدد من التعامل مع هؤلاء الزنانيين، لكن هذا لا يكفي، فالواجب قيام حملة للقبض عليهم ومعاقبتهم ومصادرة سياراتهم إذا تكرر فعلهم هذا بعد إنذارهم، فهم بالنسبة لي يقطعون الطريق على سائقي الأجرة المنتظمين، الذين ينتظرون راكبهم بفارغ الصبر بعد طول انتظار، ولا أظنهم يخرجون عن حكم تلقي الركبان الذي نهى ديننا الحنيف عن فعله، كما يدخل فعلهم هذا في بيع أحدهم على بيع أخيه الذي نهى عنه رسولنا الأمين - صلى الله عليه وسلم!
لماذا لا نستفيد من تجارب دول أخرى، ففي دبي مثلا جميع الأماكن العامة كالمطار والقطارات والفنادق والمجمعات التجارية والأسواق لها مواقف مرتبة وتخضع لتنظيم لركوب التاكسي بدون المتربصين، وإذا ركبت السيارة سررت من رائحتها، ووجدت رقماً لكل سيارة تستخدمه للشكوى أو للتبليغ عن مفقودات ونحو ذلك، ثم في كل سيارة تجد لوحة مكتوبا فيها تعليمات للراكب والتسعيرة، والأهم من ذلك أن الرحلة مجانية إذا لم يتم تشغيل العداد، وفي كثير من الأحيان تجد صحيفة أو مجلة أو شاشة إعلانية للتشغيل طوال الرحلة، السر في ذلك ليس في ثقافة سائقي السيارات، لكن في أمرين الأول أن هناك نظاما وعقابا، والثاني إن إدارة سيارات الأجرة ليست منوطة بالأفراد، لكن بشركات كبرى منظمة وذات إمكانات عالية، هذا ليس حكراً على دبي، فمثل ذلك موجود حالياً في أبو ظبي وقطر وعمان وفي كثير من الدول .. إلا في السعودية!
إن سيارة الأجرة وسائقها من أدوات الاستقبال الأولى للضيوف القادمين للمملكة وزوارها، وإذا لم يكن الانطباع الأول عن بلادنا في مستوى يليق بنا فيجب علينا أن نعرف أن الانطباع الأول غالباً ما يكون هو الانطباع الأخير، ولنقتنع بأنه ''بعد خراب مالطة'' لن تجدي حملات العلاقات العامة لتحسين الصورة الذهنية عن بلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي