العاملة المنزلية وكبر المسكن
كنت دائماً أتساءل: لماذا مساكننا كبيرة الحجم، بل أكبر من مساكن بقية الشعوب؟ وكنت أرى أن كبر حجم المساكن لدينا وكثرة عناصرها ومكوناتها عائد إلى الدعم الحكومي في سنوات الوفر الاقتصادي قبل ثلاثة عقود، المتمثلة في منح الأراضي السكنية التي تصل مساحتها إلى (625 متراً مربعاً)، وفي قروض صندوق التنمية العقارية التي مكنت المستفيدين - آنذاك - من بناء فيلات سكنية من دورين. فالدعم الحكومي مكَّن الأسر السعودية في تلك الفترة من الانتقال من بيوت متوسط مساحتها في حدود (100 متر مربع) إلى فيلات تبلغ مساحتها أضعاف مساحة مساكنهم السابقة. وقد أدى الاستمرار – بعد ذلك - في تطبيق اشتراطات التخطيط وتنظيمات البناء نفسها خلال العقود الماضية إلى استمرار العديد من الأسر السعودية في بناء مساكن تتميز بكبر مساحاتها وكثرة عناصرها وتكرار مكوناتها (مثل: توفير أكثر من مجلس لاستقبال الضيوف)، حتى أصبح الحصول على المسكن الكبير ذي العناصر الكثيرة وامتلاكه جزءاً من الثقافة السعودية دون حاجة الأسرة الفعلية إليه.
لذا كنت أجزم بأن برامج الدعم الحكومي واشتراطات التخطيط وتنظيمات البناء كانت السبب في ظهور المساكن التي تحوي أكثر من عشر دورات مياه، وعدد من المطابخ، وعدد كبير من أجنحة النوم أو غرف النوم المستقلة بدورات مياه خاصة، وما شابهها من الأشياء التي يُعد وجودها ضرباً من ضروب المبالغة غير المقبولة في مسكن خصص لإقامة أسرة تتكون من والدين وأربعة أبناء أو خمسة. ولكن الإيقاف الأخير لاستقدام العاملات المنزليات من بعض الدول، وما صاحبه من شكوى وتذمر من النساء والإعلان عن الإرهاق وعدم القدرة على القيام بكل مسؤوليات المسكن؛ دفعني إلى التنبه إلى أن توافر العمالة المنزلية وانخفاض تكلفة الحصول عليها مقارنة بمتوسط دخل الأسرة السعودية هو – لا شك - من الأسباب الرئيسية وراء كبر مساحة المساكن السعودية وكثرة عناصرها خلال العقود الماضية.
إن التكلفة المنخفضة للعمالة المنزلية وسهولة الحصول عليها قد شجع الكثير من الأسر السعودية على استقدامها للمساعدة في الأعمال المنزلية، بل أصبح وجودها لدى الغالبية العظمى من تلك الأسر من الضروريات الحياتية. لذا فلا غرابة أن يلاحظ الجميع أنه مع كل أزمة تصيب سوق استقدام العاملات المنزليات تستنفر الجهود للبحث عن البدائل المؤقتة للقيام بالأعمال المنزلية. أما إذا عجزت الأسرة عن توفير البديل فإنها تلجأ إلى خطة مرحلية تبدأ بالحد من دعوة الأقارب والأصدقاء إلى اللقاءات الأسرية والاجتماعات المنزلية، وقد تصل إلى إلغائها بشكل كامل. أما إذا طالت فترة غياب العاملة المنزلية فتظهر مرحلة أخرى تعتمد على تقليص استخدام أفراد الأسرة لعناصر المسكن، وتتطور إلى إقفال بعض العناصر وإلغاء استخدامها بشكل كامل حتى عودة العاملة المنزلية، فتقفل بعض المجالس ويلغى استخدام المطبخ الخارجي ويكتفى بالمطبخ الداخلي. وإذا طالت فترة الحصول على العاملة المنزلية تبدأ - بعد ذلك - مرحلة تغيير وظائف بعض العناصر وهو ما قد يتطلب أعمالاً إنشائية جذرية.
إن المسكن الكبير ذا العناصر الكثيرة التي تفوق احتياج الأسرة الحقيقي يتطلب جهداً كبيراً ومستمراً لترتيبه ونظافته والعناية به يفوق – في الغالب - قدرات سيدة المنزل وإمكاناتها، فمن الصعب - بل من المستحيل - على سيدة المنزل العناية بمسكن تزيد المسطحات المبنية فيه على 200 متر مربع وتنظيفه بنفسها دون الحاجة إلى استقدام ''خادمة'' أو أكثر لمساعدتها على القيام بهذه المهمة.
وأخيراً، هل مساحة مساكننا كانت ستصل إلى هذا الحد لو لم تتوافر لنا فرصة استقدام العمالة المنزلية ذات التكلفة المنخفضة؟