أخرجوا المتنبي من أعيادكم
كل عام وأنتم بخير، كل عام ووطننا ومن يقيم على ثراه بخير وأمن وسلامة، كل عام وحجاج بيت لله الحرام بأمن وخير وقبول إن شاء الله، كل عام وأمتنا الإسلامية بخير وسلام وعز وسؤدد.
إن ما نحمد الله عليه في عيد الأضحى المبارك أنه يتزامن مع أداء شعيرة تهفو لأدائها قلوبُ ملايين المسلمين، وتستنفر بلادنا كل طاقاتها من أجلها، فلا نشعرُ بمتعة العيد، إلا بعد أن نطمئن على حجاج بيت الله الحرام، ونستبشر بأنهم يؤدون نسكهم بأمن وطمأنينة وسلام، وهذا من فضل الله تعالى على هذه البلاد التي شرفها الله بهذه المسؤولية.
اليوم هو أول أيام عيد الأضحى المبارك، عيدٌ نحتفل فيه تأسياً بقدوتنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رغم ما مر به وبصحابته الكرام من صعاب ولحظات حاسمة، إلا أنه لم يُلغ عيداً، أو يحول هذا اليوم إلى يوم حزن ونياحة، بل كان - صلى الله عليه وسلم - وصحابته يفرحون بالعيد ويستبشرون به، ويطبقون سننه التي أمر الله بها.
أما في زمننا الحاضر فقد أصبح هناك من يُحاول مصادرة الفرح، وتحويل هذا اليوم السعيد إلى يوم كآبة وحُزن، بدعوى أن هناك من أمتنا الإسلامية من يُعاني، وهذا خللٌ واضحٌ، فالسعادة والفرح في أيام الفرح والسرور لا يتنافى مع الإحساس بمعاناة الآخرين، واجترارُ الأحزان لن يُغير من الوضع شيئاً، بقدر ما يُغير منه التفاعل الإيجابي المحمود.
إن أيام العيد التي جعلها الله أيام فرح وسرور لا ينبغي تحويلها إلى منشور سياسي عن ما يقع في العالم من أحداث، فهي أيامٌ معدودة من عام تمضي معظمُ أيامه دون أن يخطر على بال كثيرين منا ما يقعُ في هذا العالم من مآس.
***
في كل عيد نرى أبا الطيب المتنبي حاضراً معنا، عبر مقالات لا تكاد تخلو من قوله: ''عيدٌ بأية حال عدت يا عيد *** بما مضى أم بأمر فيك تجديد'' عنواناً أو استشهادا، وكأنه كتب علينا أن نشارك المتنبي في عملية الردح التي مارسها ضد كافور الإخشيدي، فنردد معه بيت الشعر الذي لم يقله حُزناً على حال الأمة، أو مشاركة في معاناة، أو مناصرة لوضع إنساني تأثر به، بل هو انتقام بشع من كافور الذي مدحه المتنبي وبالغ في مدحه ولقبه بأبي المسك، طمعاً في ولاية، وحين لم يُحقق له ما كان يأمل انقلب عليه، وهجاه وهجا مصر وأهلها في قصيدة تحمل من الألفاظ ما يدلُ على انتهازية وغرور وعنصرية وشهوة للسلطة والمال، وهي صفات سيطرت على المتنبي فجعلته يتنقل بين البلدان مادحا ومستجديا ثم هاجيا. هذه القصيدة وإن عدت من أشهر قصائد الهجاء، إلا أنها نوع من الانتقام، وحملة إعلامية ظالمة، في زمن كان الشعراء فيه هم رجال الإعلام، وكان الشعرُ أبرز أدواته.
كافور الإخشيدي الذي شهرته هذه القصيدة هو الذي قال فيه المتنبي:
وَأَخلاقُ كافورٍ إِذا شِئتُ مَدحَهُ
وَإِن لَم أَشئ تُملي عَلَيَّ وَأَكتُبُ
إِذا تَرَكَ الإِنسانُ أَهلاً وَراءهُ
وَيَمَّمَ كافوراً فَما يَتَغَرَّبُ
فَتىً يَملأ الأَفعالَ رَأياً وَحِكمَةً
وَنادِرَةً أَحيانَ يَرضى وَيَغضَبُ
إِذا ضَرَبَت في الحَربِ بِالسَيفِ كَفُّهُ
تَبَيَّنتَ أَنَّ السَيفَ بِالكَفِّ يَضرِبُ
تَزيدُ عَطاياهُ عَلى اللَبثِ كَثرَةً
وَتَلبَثُ أَمواهُ السَحابِ فَتَنضَبُ
أَبا المِسكِ هَل في الكَأسِ فَضلٌ أَنالُهُ
فَإِنّي أُغَنّي مُنذُ حينٍ وَتَشرَبُ
وَهَبتَ عَلى مِقدارِ كَفّى زَمانِنا
وَنَفسي عَلى مِقدارِ كَفَّيكَ تَطلُبُ
إِذا لَم تَنُط بي ضَيعَةً أَو وِلايَةً
فَجودُكَ يَكسوني وَشُغلُكَ يَسلُبُ
فماذا لو حقق كافور الإخشيدي رغبة المتنبي، فولاه حكم أحد الأقاليم، هل كان هذا المديح سيصل إلينا كما وصل الهجاء؟