يوم النحر واقتصاد الحج
تسمع عبارة أول أيام العيد والحقيقة أن العيد يومٌ واحدٌ سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى. والأيام الثلاثة بعد عيد الأضحى تسمّى أيام التشريق.
ويسمّى عيد الأضحى أيضاً يوم النحر. ويرى كثيرٌ من العلماء أنه أفضل أيام السنة. وخالف آخرون بأن الأفضل هو يوم عرفة.. ولكلٍّ حجته.
ويوم عرفة يعتق المولى - سبحانه - فيه خلقاً كثيراً من النار؛ كما في حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أن رَسُولَ الله، قال: ''ما من يَوْمٍ أَكْثَرَ من أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْداً من النَّارِ من يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فيقول: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ'' رواه مسلم.
أما أيام التشريق، فهي أيام ذكر وأكل، كما في حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ''أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله'' رواه مسلم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ''يوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف والتضرُّع والتوبة والابتهال والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربهم يوم النحر في زيارته والدخول عليه إلى بيته؛ ولهذا كان فيه ذبح القرابين وحلق (أو تقصير) الرؤوس ورمي الجمار ومعظم أفعال الحج، وعمل يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم''. انتهى النقل من ابن القيم.
في هذا اليوم تذبح الضحايا والهدايا، وفيه يحلق الحجاج رؤوسهم تقرباً لله تعالى، ويحلون من إحرامهم، ويطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة؛ فأكثر أعمال الحج وأركانه وواجباته تكون فيه، فحقيقٌ أن يسمّى يوم الحج الأكبر.
اقتصاد الحج
قال الله تعالى: ''وأذّن في النَّاس بالحَجِّ يأتُوكَ رِجَالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق * لِيَشْهَدُوا مَنَافعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ في أيَّامٍ معلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم من بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا منها وأَطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ''، الآية 27 من سورة الحج.
روى البخاري عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومِجَنَّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتَجروا في المواسم، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فنزلت الآية. الإخلاص شرطٌ في جميع العبادات، إلا أنه لا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة، وهو قاصد البيت الحرام، وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصدٌ إلا الاتجار والتكسُّب.
وعائدات ما يسمّى السياحة الدينية تصل إلى عشرات المليارات من الريالات، ويتوقع أن يتضاعف الرقم بعد خمس سنوات. بالنظر إلى ثلاثة عوامل: ضخامة المشروعات في الحرمين الشريفين لاستيعاب المزيد من الزوّار والحجاج، وتزايد أعداد الراغبين في الحج والعمرة، وعامل التضخم.
وقدرت أعداد الزوّار للسعودية سنوياً بــ 12 مليوناً، يتوقع أن يزيد عددهم بنحو خمسة ملايين بعد نحو عشرة أعوام.
وقدّر معهد أبحاث الحج، في دراسة نُشرت قبل أسابيع، متوسط إنفاق الحاج الواحد بنحو سبعة آلاف ريال هذا العام. ويتوزع هذا المبلغ على السكن والطعام والشراب والهدايا والاتصالات. وربما كان هذا أكبر إنفاق نقدي في مكان واحد وأيام معدودة على مستوى العالم.
وجانب الهدايا يأخذ اهتماماً كبيراً من الحجاج والمعتمرين. ومن الممكن استغلال هذا الجانب أفضل استغلال. وهنا أطرح مقترحاً، وقد سبق أن طرحته، وأتوقع أن آخرين سبقوا بطرحه. ينبغي اختيار أرض كبيرة قريبة من مكة المكرّمة، لإقامة مدينة صناعية تُبنى فيها المصانع والورش التي تنتج المصنوعات الحرفية ونحوها المشهورة أو التي يتميز بها كل بلد إسلامي. وربما يخصّص لكل دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي مساحة، وتوضع معايير للعمل والتسويق والتدريب.. إلخ. وإنتاج هذه المدينة سيشكل ولا ريب مادة الهدايا للحجاج والمعتمرين.
وأكبر مشروع مجاور للحرم وقف الملك عبد العزيز. وهو ومشروعات أخرى قد غيّرا من مشهد مدينة مكة المكرّمة. وهناك مَن ينتقد وهناك مَن يوافق على هذا التغيير. ورغم غلاء الإقامة في المجمع، إلا أن نسبة الإشغال 100 في المائة تقريباً.
من أسباب الاهتمام بما يسمّى السياحة الدينية كونها أحد عناصر تنويع الاقتصاد. وعيدكم مبارك وتقبّل الله من الجميع.