رجل الأعمال والمعلومات.. العالمي ستيف جوبز

كنت أتمنى أن أرثي ستيف جوبز باسمه الأصيل وهو مصعب عبد الفتاح جندلي، ولكن طالما أنه هو الذي اختار اسم ستيف جوبز فلا حرج أن نؤبنه بالاسم الذي ارتضاه واختاره لنفسه.
في عام 1950 ضاقت سورية بالمواطن السوري البسيط عبد الفتاح الجندلي، فقرر مغادرة سورية صوب بلاد العم سام الولايات المتحدة، وفي مدينة سان فرانسيسكو الكاليفورنية الخلابة تعرف عبد الفتاح الجندلي بالسيدة جوان كارول شيبل، وشاءت إرادة الله أن ينجبا في عام 1956 ابنهما ستيف، ولكن الحياة لم تكتب لهما الوصول إلى حياة زوجية مستقرة حتى يعيش ستيف في كنفهما، فرحل الأب بعيدا عن زوجته وابنه كما رحلت الأم بعيدا عن ابنها، ولم يكن يعرف الأب المكلوم ولا الأم الرافضة أن هذا الـ ''ستيف'' سيزيل كوابيس الظلام من طرقات الإنسانية، وأنه سيضيء طريق البشرية بلمسة أصبع ذهبية، وأن ستيف سيصبح العقلية الابتكارية التي سخرها الله لتجلو للبشر غشاوة الجهل من دروبهم الغامضة.
وفي طرق الحياة الغامضة تعرفت الأمريكية الوالدة على عائلة تدعى بول وكارلا جوبز، فأعطتهما حقوق تبني الطفل، ولم تلبث أن أعجبت هذه العائلة ببريق الذكاء الذي كان يشع من الطفل الواعد فمنحوه على عجل اسمهم ''جوبز''، ولكن في سن المراهقة ظل ستيف مراهقا فقيرا يتنكب الخطى ويتجرع الفقر ويعيش على بيع زجاجات المرطبات وعلب البيبسي الفارغة مقابل بضع سنتات.
ويومذاك لم يدر في خلد كائن من كان أن من يتاجر في علب العصائر وقوارير البيبسي الفارغة سيغير وجه الأرض وسيدير الدنيا بلمسة من أصابعه الذهبية.
وهكذا لم تستطع عائلة جوبز التي ترعرع في كنفها أن تضيف إلى ستيف جديدا، ولكن ما إن شب ستيف جوبز ولمع عقله صوب التكنولوجيا الخارقة، فإذا بالدنيا قد بدأت تبتسم له، وكانت البداية في عام 1976، حينما انضم ستيف جوبز إلى ستيف أوزينال وقررا إنشاء شركة أبل. وكان أول فتوحاته التي بدأها وهو في طريقه إلى ابتكاراته الفريدة التي غيرت فيما بعد معالم البشرية، مساهماته في ابتكار الكمبيوتر الشخصي، ثم إشعال ثورة تكنولوجية جديدة في الهواتف الذكية، ولكن الثورة الأعتى والأكبر هي إطلاق مبتكره الخارق جهاز الـ ''آي باد''.
ويذكرنا جهاز الـ ''آي باد'' بالفانوس السحري لعلاء الدين، ولكن الفرق بين الفانوس السحري والـ ''آي باد'' أن الفانوس السحري خرافة فولكلورية تاريخية، بينما الـ ''آي باد'' حقيقة تكنولوجية مبهرة. إن لمسة واحدة بالأصبع تفتح أمامك كنوز المعرفة، ولمسة ثانية تكتشف الدنيا، وحينما تكثر اللمسات تظن أنك تملك الدنيا وما فيها بمجرد لمسة ذكية وذهبية.
ولم تكن حياة سميث جوبز كلها حريرا في حرير، بل تعرض للغدر والحقد من أقرب الذين صنعهم ووظفهم، فبعد عن ''أبل'' فترة، ولكن لأنه رجل المصداقية والكفاءة عاد أقوى بكثير مما كان.
وإذا جاز لنا أن نصنف ستيف جوبز إلى جانب كبار علماء العالم، فإن ستيف سيجد نفسه جنبا إلى جنب مع توماس أديسون مكتشف الكهرباء الذي غير وجه الحياة، ولم يأت بعد أديسون مفكر ومبتكر غيّر وجه الدنيا مثل ستيف جوبز الذي غيّر بحق وجه الدنيا كما غيرها أديسون.
ومع أننا نحترم ونقدر إنجازات علماء كثر إلا أنهم لا يصنفون بجوار أديسون وستيف جوبز، لأن مستوى التغيير الذي أحدثه في وجه الدنيا كل من أديسون وجوبز هو تغيير جذري أخذ الناس إلى دنيا جديدة، وسوف يأخذها إلى عوالم أكثر جدة.
بعد هذه الإنجازات العالمية الهائلة التي غيرت وجه الدنيا وغيرت سلوك البشرية جمعاء شاءت إرادة الخالق أن يصاب ستيف بالمرض الخبيث في البنكرياس، وعبثا حاول أن يطرح المرض أرضا، ولكن المرض الخبيث كان أقوى من كل الأمصال التي استنجد بها.
وهكذا ظل سميث جوبز يعاني المرض خمس سنوات، ولكنه في السنة الأخيرة من عمره حينما اشتد عليه المرض قرر أن يتنازل عن وظيفة المدير التنفيذي لمن هو أكثر صحة وحيوية، وتقلد هو منصب رئيس مجلس إدارة ''أبل'' حتى يخلد إلى الراحة ويتحاشى سطوة الفتك الذي يحدثه المرض اللعين في جسمه النحيل.
وفي السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 2011 كانت إرادة الله أقوى من كل شيء، فأسلم ستيف جوبز الروح ورحل عن عالمنا وهو لما يزل في سن الـ 56 من عمره.
وفي يوم الحزن الكبير أعلن الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما عن حزنه العميق لفقد الولايات المتحدة والعالم هذا العالم الجليل.
لقد كان وقع وفاة ستيف جوبز مجلجلا ومؤثرا في كل أنحاء الدنيا، ولقد رثاه العالم أجمع رثاء ليس له نظير، ويومها لم تجف الأقلام في كل بلاد الدنيا وهي تكتب عن هذا العالم النابغة الذي تدين له البشرية بكل ما توصلت إليه من مدنية وحضارة، وسيذكره التاريخ كواحد من الصناع الذين قدموا للإنسانية خدمات ليس لها نظير ولا مثيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي