قصة كرات الثلج
بين الصورة وما وراء الصورة مسافة كبيرة. عندما تتأمل صور الطغاة الذين مروا على العالم، لا يمكنك أبدا أن تستشف من الصور أي ملمح يجعلك تتخيل أن خلف هاتين العينين مجرما. سواء كانت هذه الصورة تخص هتلر أو القذافي أو سواهما من الشخوص التي سارت عكس الريح وأوجدت لها مكانا على جثث الضحايا.
هذا الأمر حتما لا يمكن قصره على الطغاة الكبار. إذ حتى الطغاة الصغار، لا يمكنك أن تستشف من خلال نظرة إليهم أي شر يكتنزونه في دواخلهم.
وأحيانا، يحتضن الإنسان قاتله دون أن يدري. وقد لا تتوافر أي شروط موضوعية لحصول جريمة فردية، لكنها تحصل، وقد تموت امرأة بريئة على يد مدبرة المنزل التي تعمل لديها رغم أنها كانت تتعامل معها كابنة من بناتها.
إن ظهور المجرم، وهو يحضن أطفاله ويحنو عليهم، لا يعطيك سوى جزء من حزمة معقدة من الصور. وفي الطابع الإنساني البحت، تجد في النفس البشرية سلسلة تناقضات تبدو عصية على التصنيف باعتبارها وحدة واحدة. رجل البر والتقوى في مشهد ما، تراه في مشهد آخر شخصا بخيلا في حالة تناقض الصورة الأولى. والمفكر النابه الذي يقول كلاما يعجب الناس، تكتشف أنه في لحظة ما تحول إلى شخص يخالف كل ما يقوله دون أن يرف له جفن. والمعلم الذي يصوغ المفاهيم التربوية الجميلة يتحول في لحظة اختلاف مع تلميذه إلى شخص غاضب يكرر اللوم والعتب على تلميذه لأنه يعتبر أن طرح معلومة تخالف ما يقوله هو: قلة أدب. هذا المنطق الذي يتبناه المعلم، هو المنطق ذاته الذي كان يتبناه زعماء رحلوا جبرا، لأنهم لم يصدقوا أن طغيانهم قابل للتحدي. حتى فهم الإنسان للظلم يبدو مختلا، إذ إن الظلم بالنسبة لكثيرين هو ما يتعلق به شخصيا، أما ما سواه فشأن آخر تستوعبه عبارة قصيرة: لا يعنيني. هذه هي قصة كرة الثلج التي تتكرر دوما.