كان باصاً.. فقط!
صدقاً! لا يعنيني من المتسبب في تعطيل أحد أهم المشروعات المدنية في البلد! أهي وزارة النقل أم المالية أم وزارة الصحة أو حتى الزراعة!! هذا ليس موضوعي، وما يعنيني هو كيف سكتنا بهذا الشكل لأكثر من ثلاثين عاماً؟!
كيف سكتنا عن تلاشي باص النقل الجماعي تدريجياً بهذه السهولة؟
كيف لم نصرخ قائلين (عندك!) ونحن نشاهد مواقف الباصات تزال من على أرصفة شوارع المدن؟
ما الذي أخجل وسائل إعلامنا عن المساءلة والتصعيد للحاصل كقضية رأي عام؟
وأسئلة أخرى تتوالد من حبكة التفريط.. لتصنع شبكة أشد تعقيداً من شبكة عناكب الكهوف!!
كنا نشاهد الزحام يتكاثر في شوارعنا يوماً بعد يوم! وكنا، ولا زلنا، نعاني الأمرين مع السائقين! ودأبنا لعقود على تعطيل أعمالنا وأعمال غيرنا لإيصال النساء والبنين والبنات! واستسلمنا لتحميل أنفسنا ديوناً انحنت لها ظهورنا لتدبير أكبر عدد ممكن من السيارات لكل بيت! ورغم كل هذا.. كنا نتعشم كثيراً فيما يساق لنا من تصريحات عن مستقبل المشروع بعد وأده، وكنا نجبر ذواتنا على التصديق! وتراكمت المشكلة بسبب إدارة مرحلة، وهي تشبه كثيراً مآل سيناريو التسويف الذي عايشناه في الجانب التربوي، الجامعي، والصحي. إلا أن وسائل النقل العام تميزت عن كل ما جايلها بفقدان الهوية. فتاهت.. وتاه معها أملنا باستحداث واقع يغير وجع النتائج.
تعالوا الآن ننظر بتجرد لبعض ما جرى ونتج عن تسويف وتتويه أولوية حيوية تعرف عالمياً بـ (النقل العام). مرورياً، نحن بحاجة مستمرة لتوسيع الطرق والشوارع والميادين، وكلكم يعلم ما ينتج عنه هذا من إشكالات تستمر لسنوات في أحيان. اجتماعياً، وهذه من شقين: ستظل الأسرة السعودية تحت رحمة السائق دوماً وأبداً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سيظل الوافد (موظف، عامل.. إلخ) بحاجة لسيارة يتعلم من خلالها القيادة فينا أولاً، قبل أن يتمكن بها من كسب رزقه! اقتصادياً: ستظل الأسر المحدودة الدخل والفقيرة تكرس الكثير من دخلها الهزيل أساساً للوفاء بأجور النقل لشركات الأجرة والباصات التجارية، والتي لا تتوانى عن التهام كامل راتب بعض الفقيرات السعوديات في أحيان كثيرة!
أراقب وأتعجب! حتى إذا جمعت الصحف جميع الأطراف وفردت لحواراتهم صفحات، واستضافت برامج الحوار المعنيين كافة، وخصصت لهم أهم ساعات البث الجماهيري، تقرأ في الأولى.. وتتابع في الثانية.. لكنك تخرج في نهاية كل مرة وأنت أشد (ما فيه معلوم) مما سبق!!
الحقيقة التي "تجمد على الشارب" في مأساة الباصات هي أن الباص أصلاً ليس فرقاطة! وهو بالتالي لا يتسع لكل هذا العدد من الركاب الراغبين في قيادته! فهناك مقعد لسائق واحد، وما تبقى هي مقاعد ركاب.