آفاق الدبلوماسية التركية في العالم العربي

لا بد من الاعتراف بأن الدبلوماسية التركية في عهد حكومة أردوغان قد حققت انطلاقة كبرى في العالم العربي وساعدها في ذلك عدد من العوامل، أولها القبول العام لتركيا في العالم العربي على أساس الخلفية التاريخية بين الدولة العثمانية والعالم العربي، والعامل الثاني هو توحش إسرائيل في المنطقة العربية وضد الفلسطينيين وعجز العالم العربي عن المواجهة وتمزق الصف الفلسطيني مما زاد في توحش إسرائيل وفي ضعف الجانب العربي، خاصة أن إسرائيل والولايات المتحدة وقفتا ضد المصالحة الفلسطينية رغبة منهما في توسيع الشق الفلسطيني وانتهاء الصوت الفلسطيني الواحد، العامل الثالث هو العامل الثقافي وأهم تجلياته في المرحلة الراهنة هي المسلسلات والدراما التركية التي غزت العالم العربي فأحدثت تقارباً كبيراً كما قدمت اللهجة السورية التي قدمت بها الدراما التركية خدمة ثقافية كبرى لسورية وما يترتب على ذلك من تداعيات سياحية واجتماعية وتقارب بين الشعوب غير أن الدبلوماسية التركية تقاربت مع كل العالم العربي في إطار برنامج "تصفير المشاكل" مع دول الإقليم وقام أردوغان بعدد من الزيارات إلى بعض الدول العربية ولا أظن أن علاقة تركيا بحلف الناتو وعضويتها فيه وعلاقاتها بالولايات المتحدة والغرب ورغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون قيداً على العلاقات التركية ـــ العربية إلا بالقدر الذي يؤرق إسرائيل.
وقد دخلت الدبلوماسية التركية في ثلاثة أنفاق عربية، في فلسطين وسورية والعراق، وواجهت في هذه الأنفاق صخوراً وعقبات. أما في فلسطين، وهي الساحة الأوضح، فقد تصدت لها إسرائيل وحدثت مواجهات دامية فيما رأيناه في أسطول الحرية في أيار (مايو) 2010 ثم تصدي إسرائيل بالقوة لمنع سفن كسر حصار غزة من تركيا فصارت الدبلوماسية التركية في فلسطين تقف عند حد تجنب الصدام العسكري مع إسرائيل، لأن تركيا قد استنفدت جميع المساحات الدبلوماسية مع إسرائيل، ولكنها فهمت أن قدرتها الدبلوماسية في فلسطين تنتهي عند إظهار الاهتمام والمساندة في القضية والمساعدة على إحراج إسرائيل خاصة بعد الهزيمة النفسية التي واجهتها تركيا عند صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق الذي جاء صادماً للعالم العربي والإسلامي وقراءة خطيرة للقانون الدولي لأن تقرير اللجنة أكد حق إسرائيل في التصدي لسفن كسر الحصار باعتباره دفاعاً شرعياً عن النفس على افتراض أن حصار غزة عمل مشروع في القانون الدولي، وهذا يتناقض تماماً مع تقرير جولدستون الذي قرر إدانة إسرائيل، ولكن التقرير وصاحبه لقيا هجوماً صهيونياً عالمياً دفع صاحب التقرير إلى التنكر لبعض حيثياته ومحتواه، في مجال الصراع العربي ـــ الإسرائيلي تملك تركيا الكثير، ولكن علاقتها بإسرائيل هي الطرف الآخر في المعادلة، فكل من إسرائيل وتركيا حريصتان مع الولايات المتحدة على المحافظة على شعرة معاوية التي تهددتها أحداث كثيرة وسقفها هو الصراع العسكري الناجم عن الصراع السياسي بسبب الصدام بين المشروعين التركي والصهيوني في غيبة المشروع العربي. أما في العراق وسورية فإن الدبلوماسية التركية في حاجة إلى تحليل أوسع في ضوء محاولة كسب تركيا للعراق على خلفية الملف الكردي وخسارة تركيا لسورية على خلفية الأزمة الحادة في سورية، ولكن الملفات الثلاثة تحتاج إلى مساحات أكبر من التحليل والإيضاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي