العقوبات العربية على سورية
فرضت الجامعة العربية في الأسبوع الماضي، عدداً من الإجراءات الاقتصادية ضد سورية لزيادة الضغط عليها حتى تقبل الحكومة السورية باقتراح الجامعة العربية نشر مراقبين في سورية لمراقبة الأوضاع فيها، تمهيداً لتطبيق المبادرة العربية لإنهاء الأزمة السورية. ولتقييم أثر هذه الإجراءات ومدى نجاحها في تحقيق هذا الهدف، يجب أن نلقي نظرة على أثر هذه الإجراءات في الاقتصاد السوري وعلاقة ذلك بموقف الحكومة السورية. صحيح أن بعض المراقبين يشهدون لأول مرة الجامعة العربية، وقد تسلحت بأسنان قوية، ولكن البعض الآخر يرى أن هذه الأسنان ليست موجودة في ميثاق الجامعة، كما أنها في توقيت ولهدف يحتملان المناقشة. ومن ناحية أخرى، فإن تصريحات المسؤولين العرب تبعث الخوف من أن تدخل الجامعة هو مقدمة لتدويل القضية وهذا التدويل يعيد إلى الذهن العربي المسار الذي مضت إليه الثورة الليبية، وفرق كبير في الذهن العربي بين القذافي وبشار الأسد مما لا يتسع المقام لشرحه وتحليله. وقد أظهرت تجربة الجزاءات الإقليمية والدولية ومن واقع تقارير الأمم المتحدة أن العقوبات تؤثر في الدول والشعوب وتزيد شقاءها ولكنها تفيد الحكام. ذلك أن التجربة العراقية وتجربة العقوبات على ليبيا والسودان كانت خير شاهد على صحة هذه النتيجة، فهل المقصود إسقاط الدولة السورية أم النظام، أم مجرد زيادة الضغط على النظام حتى يقبل بما تقرره الجامعة العربية، خاصة وأن سورية لا تثق بالجامعة والجامعة في سلوكها اتجاه سورية يحيطها الكثير عند معظم المراقبين؟
فعندما قام صدام حسين بغزو الكويت واحتلالها تم فرض العقوبات الدولية في مرحلتها الأولى من آب (أغسطس) 1990 حتى شباط (فبراير) 1991، ولكن هذه العقوبات لم تؤثر في قرار صدام حسين بالانسحاب من الكويت وكان هدفها المعلن تحقيق هذا الهدف بصرف النظر عما قيل إن واشنطن هي التي عرقلت خطته للانسحاب حتى تكتب السطر الأخير في المشهد العراقي. وبعد انسحاب العراق من الكويت استمرت العقوبات على العراق بهدف إضعاف النظام وإزاحته وإضعاف الدولة العراقية كلاعب سياسي في هذه المنطقة وانتهى هذا السيناريو باحتلال العراق عام 2003، ولكنه كان احتلالاً يهدف إلى انتزاع العراق تماماً من دائرة التأثير الإقليمي لصالح إيران، فأنشأ ذلك معادلة جديدة في هذه المنطقة الحساسة من العالم العربي.
أما العقوبات على ليبيا بسبب لوكربي فقد كلفت الشعب الليبي الكثير سواء بسبب العقوبات أو التعويضات الباهظة التي دفعها النظام لضحايا الطائرة المنكوبة، كما دفع العالم العربي نصيبه من استهداف ليبيا والعراق، حيث كان صدام حسين فعلاً مصدر قلق للعمل العربي المشترك.
ولا يتسع المقام لحصر آثار هذه المؤامرة ولكن يكفي القول إن العالم العربي لا يزال يعانى آثار الحدثين الخطيرين: نكسة 1967 وملف العدوان العراقي على الكويت.
في ضوء هذه الدروس، فإن العقوبات على سورية يجب أن تكون مدروسة، خصوصاً أن الشعوب والأوطان هي التي تدفع الثمن كما أن الجامعة في الملف السوري قد خرجت تماماً على أحكام ميثاقها. ووراء كل ذلك يبقى شقاء الشعب كما يبقى الخطر محلقاً على سماء الوطن السوري العزيز ومخاطر الانقضاض عليه وآثار انهيار الدولة على تركيا والعراق والأردن ولبنان.