5 مليارات للإنفاق على الأبحاث في مجال الإسكان
أظهر تقرير اليونسكو عن العلوم (لعام 2010) أن متوسط الإنفاق العالمي على أنشطة البحث والتطوير يبلغ (1.7 في المائة) من إجمالي الناتج المحلي العالمي، حيث تنفق البلدان المتقدمة (2.3 في المائة)، وتنفق البلدان النامية (1في المائة)، بينما تنفق أقل البلدان نمواً (0.2 في المائة) فقط من إجمالي الناتج المحلي. ومن المؤسف أن متوسط إنفاق الدول العربية يماثل تماماً نسبة إنفاق البلدان الأقل نمواً، بينما يصل إنفاق إسرائيل إلى (4.6 في المائة) من إجمالي الناتج المحلي (أي ما يماثل 23 ضعفَ ما تنفقه الدول العربية)، وتنفق كوريا - على سبيل المثال - (3.2 في المائة) من إجمالي ناتجها المحلي. إن مثل هذه الحقائق تشير – بشكل واضح - إلى إهمال البلدان العربية دعم أنشطة البحث والتطوير والإنفاق عليها، وهو ما ينعكس - من ثم – على تردي كثير من الخدمات ومن جملتها الإسكان.
وقد يعزي البعض إهمال البحث والتطوير في العالم العربي إلى شح الموارد المالية أو انعدامها، ولكن هذا الحجة لا تنسحب على الدول العربية كافة، فالموارد المالية لا تمثل مشكلة في دول الخليج العربية. والدليل على ذلك أن حكومة المملكة قد خصصت العام الماضي أكثر من (300 مليار) ريال لقطاع الإسكان. فلو افترضنا أنه سيتم تخصيص متوسط النسبة العالمية البالغة (1.7 في المائة) للإنفاق على البحث والتطوير في قطاع الإسكان؛ فإن المبلغ المخصص للبحث والتطوير في مجال الإسكان من إجمالي ما تم تخصيصه للقطاع سيبلغ أكثر من (خمسة مليارات) ريال، ولو تم توزيع المبلغ على خمس سنوات، استناداً إلى المدة المحددة لخطط التنمية؛ فإن المبلغ الذي يتعين تخصيصه للصرف على البحث التطبيقي والتطوير في مجال الإسكان سيصل إلى مليار ريال سنوياً. ولنا أن نتصور حجم التأثير الإيجابي والنقلة النوعية التي سيحدثها إنفاق مثل هذا المبلغ في أبحاث الإسكان في المملكة.
إن الأنشطة البحثية بجانبيها النظري والتطبيقي تفتح آفاقنا لمعرفة ما نجهل أو ما خفي علينا، وتدفع بمعارفنا وخبراتنا إلى الأمام، فهي الأسلوب الأمثل لمعالجة المشكلات القائمة، وتجنب المشكلات المتوقعة، كما أنها ترسم طريق المستقبل، وتمكن المسؤول من اتخاذ القرارات السليمة؛ لأن اتخاذ القرارات في غياب المعلومات والبيانات الدقيقة وتحليلها يعد نوعاً من أنواع المقامرة بالموارد الوطنية وهدرها، فنتائج الأنشطة البحثية تمكن المسؤول من ترشيد الصرف وتوجيهه إلى القنوات الصحيحة. كما تحدِث الأبحاث التطبيقية في مجال الإسكان نقلة نوعية من خلال تقديم نماذج إسكانية متميزة بتصميمها العمراني والمعماري المنسجم مع البيئة المحيطة، والمتوافق مع متطلبات السكان الاجتماعية والاقتصادية، واستحداث تقنيات بناء جديدة تعمل على رفع جودة الأحياء والمساكن، وتسريع عملية التنفيذ، وتخفيض تكلفة تنفيذها وتشغيلها وصيانتها، وتمكننا من بناء تجمعات سكنية صحية ومستدامة، تحد من التلوث، وتستفيد من الطاقة المتجددة، وتخفض استهلاك الطاقة الكهربائية والمياه. ولإحداث هذه النقلة النوعية في مجال الإسكان يتعين على وزارة الإسكان أن تجعل من أولوياتها الأساسية والمُلحة التعاون مع الجامعات السعودية لإنشاء مركز بحثي متخصص في مجال الإسكان والإنفاق عليه؛ لإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالإسكان، وبناء قاعدة معلومات إسكانية سعودية ديناميكية ومتفاعلة.
وأخيراً، فهذا لا يعفي القطاع الخاص من المشاركة في دعم أنشطة البحث والتطوير في مجال الإسكان بوصف ذلك جزءاً من مسؤوليته الاجتماعية، خصوصاً أن نتائج الأبحاث التطبيقية ستمكنه أيضاً من تقديم منتجات إسكانية أفضل بتكلفة أقل في وقت أقصر، وهو ما سيؤدي إلى زيادة أرباحه في نهاية المطاف.