تركيا والأزمة السورية
من الأدوار اللافتة للنظر في الأزمة السورية نرصد الموقف التركي. نذكر أن العلاقات السورية ــــ التركية قد تحولت تحولا جذرياً من العداء التام إلى درجة من درجات التحالف، فقد كانت سورية تنوب عن العالم العربي في إحراج تركيا في المحافل الدولية والإقليمية، وكانت تملك عدة أوراق للضغط على تركيا في علاقاتهما الثنائية أهمها ورقة الأكراد، حيث كانت سورية تؤوي عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردي التركي، كما كانت سورية تستخدم إحراج تركيا في علاقتها مع إسرائيل التي كانت تصل إلى درجة التحالف التركي ـــ الإسرائيلي للتأثير على المواقف التركية المعادية للعرب وسورية خصوصاً في قضية مياه نهري دجلة والفرات. والمعروف أن هذا الملف كان مشتركاً بين سورية والعراق رغم ما كان بينهما من جفاء خاصة بعد أزمة المياه عام 1991 التي تسبب فيها حجز مياه الفرات لتخزين هذه المياه في سد أتاتورك. وعندما وصلت العلاقات بين تركيا وسورية إلى درجة الصدام المسلح عام 1999 تطورت الأمور في تركيا وفي سورية أيضاً حيث توفي حافظ الأسد عام 2000، وفي الوقت نفسه بدأ صعود نجم حزب العدالة والتنمية تحت أسماء أخرى انتهت به ثم عرفت العلاقات السورية ــــ التركية تطوراً ملحوظاً وصل قبل آذار (مارس) 2011 إلى درجات متقدمة من التعاون والتفاهم والوئام. وكان تطور هذه العلاقات هو أكبر مكاسب نظام بشار الأسد لأنه حول تركيا من دولة عدو إلى دولة شبه حليف وربما كانت سورية هي أحد المعابر للصداقة أو التفاهم الإيراني ــــ التركي، كما أن سورية أسعدها أن تعلو نبرة التحدي التركي لإسرائيل وأن تدعم تركيا المقاومة العربية وفكرة كسر الحصار على غزة فما الذي أدى إلى أن يضحى كل طرف بمصالحه لدى الآخر وتصل العلاقات بينهما في ضوء الأزمة السورية إلى درجة العداء الواضح؟
لوحظ على الموقف التركي أنه شعر بالقلق بسبب تمسك النظام في سورية بموقفه من نظرية المؤامرة عليه، واستنفد الأتراك كل محاولة لإقناع سورية بأن يبقى النظام وتزول الأزمة خوفاً من أن يزول النظام وتتسع الأزمة وعبر الموقف التركي عن ضيقه خلال الأسابيع الأخيرة بأن فرض عدداً من العقوبات على سورية إعلاناً عن انقطاع حبل الود مع النظام والتماهي مع الموقف العربي الضاغط على سورية حتى أن وزير خارجية تركيا حضر اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي فرض العقوبات على سورية وأصبح صوت تركيا الناقد لسورية أعلى من الصوت العربي.
ولاشك أن الموقف الروسي المساند تماماً لسورية قد أزعج تركيا، وقد يترك سحابة من التوتر على العلاقات الروسية التركية خصوصاً إذا قامت تركيا بدور في حلف الأطلسي ضد سورية مما ينذر بإعادة الحرب الباردة الجديدة في هذه المنطقة بالذات.
من الواضح أن معالجة العلاقات السورية ـــ التركية ستسجل الكثير خصوصاً فيما يتعلق بتفسير تدهور العلاقات بينهما بسبب الأزمة ولكن هذه الأحداث أظهرت أن الأزمة السورية تشكل تحدياً كبيراً للدبلوماسية التركية لأنه لا يعرف يقيناً هل التصدي للحكومة السورية مع الجامعة العربية يرضي الحكومات أم الشعوب العربية أم يرضيهما معاً ولكن الثابت أن سورية قد خسرت الكثير في علاقاتها التركية.