مؤتمرات مكياجية
لفت نظري خلال الأسبوع الماضي خبران نشرتهما الصحف العربية يتعلقان بصناعة الإعلام التلفزيوني أحدهما محلي وكان حول افتتاح أعمال المؤتمر السعودي للبث الإعلامي التجاري الذي نظمته إحدى الشركات الخاصة تحت غطاء وزارة الثقافة والإعلام في المملكة، والآخر خليجي سينظم خلال العام المقبل في مدينة دبي يتعلق بمعرض "كابسات" المتخصص في قطاع الإعلام الرقمي والبث عبر الأقمار الصناعية في الشرق الأوسط.
وكمهتم بمجال الإعلام حاولت الحصول على بعض المعلومات الخاصة بالمؤتمر السعودي من خلال البحث عن مصادر الأخبار والتغطيات علني أجد بعض الإحصاءات والأرقام والبيانات التي تسلط الضوء على واقع البث الإعلامي التجاري في المملكة على اعتبار أن هذا الحدث والذي من عنوانه "تجاري" يتحتم أن يشمل أرقاما وهي لغة التجارة ودونها لا معنى لتجارة ولا لأعمال، إلا أني مع الأسف لم أوفق إلا بالحصول على جمل فيها الكثير من التعابير الرنانة والجمل التعبيرية الجميلة والتي من جهة يمكن أن تذكر في سياق أي مؤتمر حتى لو كان في مجال دبغ الجلود، ومن جهة أخرى متخمة بتلك الكلمات الكبيرة من قبيل استراتيجية وخطط مستقبلية مدروسة وما إلى ذلك من عبارات التخدير اللغوي.
لا شك في أن المؤتمرات التي تقام بين الحين والآخر تهدف أساسا لتحقيق أولا الارتقاء بالقطاع المعني به من النواحي المهنية والتجارية كما أنها تعمد إلى خلق الأرضيات المناسبة لعقد الصفقات وتبادل الخبرات والمعارف من منطلق كونها منصات خلقت أساسا لهذا الهدف، وبالتالي عليها واجب أن توفر لذلك الجمهور كل المعلومات التي تحقق ذلك الهدف وهو ما وفرته الجهات المنظمة لمعرض "كابسات" من خلال البيانات الاقتصادية والمعلوماتية التي ربما تفوق المطلوب وتتجاوز بسنوات وسنوات ما يمكن لتلك الوزارة أو تلك الشركة من إنتاجه وتوفيره.
لدي قناعة شبه راسخة بأن شريحة عريضة من المشتغلين والدخلاء على صناعة المؤتمرات والمعارض في المملكة لم يفهموا بعد هذه الصناعة وأساسياتها التي تتطلب من أجل أن ينظر لها بجدية أن تبني مواضيعها ومجالاتها وفق دراسات احترافية تعمل على توجيه الأجندات نحو المواضيع التي يجب أن تناقش والتي يتم تحديدها وفق استطلاعات ودراسات السوق وإحصائيات من ذوي الاختصاص وهي المعلومات التي بني عليها معرض "كابسات" الذي سيشهد نموا قدره 15 في المائة في دورته القادمة نتيجة الفائدة التي خرج منها رواد الدورات السابقة، الذين وجدوا في ذلك الحدث منصة لتحقيق طموحاتهم التجارية والمعرفية، والتي من الواضح أن مؤتمر وزارة الإعلام لم يحققه وربما لم يهدف أساسا لتحقيقه.
كنت وما زلت على قناعة أيضا بأن المؤتمرات التي يقيمها كثير من الوزارات هدفها في الأساس إعلامي ودعائي، فافتتاح الوزير هو الحدث في حد ذاته والتقاط الصور التذكارية يأتي باعتباره الإنجاز الذي سيقدم ضمن ملف إنجازات وميزانية نهاية العام، دون أن يكون المهم في الموضوع ما حققه ذلك المؤتمر أو ذلك المعرض من فوائد حقيقية للقطاع الخاص أو العام المعني به.
كلامي هذا ربما يجده البعض مبالغا فيه بينما العاملون في هذا المجال يعلمون أن جل هذه الفعاليات لم يكن ليكون لولا أن يكون المحرك فيها رغبة في نجاح شخصي لا علاقة له بقطاع أو مجال، ولعل ما يدلل على كلامي هذا هو أن الوزارات لا تدفع من ميزانياتها ريالا واحدا في تنظيم المعرض أو المؤتمر تجنبا للمسائل حول النتائج من الجهات المعنية، بل يتم التعامل معها باعتبارها (مبادرات) يتم تمويلها من أموال القطاع الخاص الساعي بدوره لكسب رضا تلك الوزارة أو تلك أو مجاملة لذلك الوزير أو ذاك، وهي مبادرات في صميمها مكياج يحاول أن يجمل واقعا مهترئا أو إخفاء عيبا أو تقصيرا.
أتمنى أن نقلل من المؤتمرات الحلمنتيشية ونركز على الفعاليات التي تحدث الفرق، فالعالم يراقب والأمل معقود علينا ووطننا كما أقول دائما لا يستحق منا مكياجا يخفي حقيقتهم بل نورا يكشف جمالنا الحقيقي.