تصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية ماذا تعني؟

أدلى جنجريش مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي في انتخابات الرئاسة المقبلة بتصريحات تدخل في باب اللامعقول، فقد أراد الرجل أن يصل إلى أعلى سقف في الحصول على دعم إسرائيل ومن ورائها الجالية اليهودية الأمريكية. فقد صرح بأن الشعب الفلسطيني اختراع جديد لم يسمع به من قبل، وأن الفلسطينيين جاءوا إلى هذه الأرض من الدول العربية المجاورة، وأن هذه الأرض المقدسة كانت تحت الاحتلال التركي منذ مئات السنين ثم صارت تحت الاحتلال البريطاني منذ الحرب العالمية الأولى، وبذلك لم تعرف أرض فلسطين سوى اليهود الذين أعلنوا استقلالهم في إسرائيل عام 1948.
هذا التصريح يثير ثلاث قضايا خطيرة. القضية الأولى، تتعلق بالجدل العقيم الذي لا يزال الكُتَّاب العرب ينخرطون فيه حول أيهم أقرب إلى إسرائيل: الحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي، ثم يتمادون في استحضار الدلائل والقرائن على دعم أي من الحزبين لإسرائيل. وأعترف أنني عندما كنت طالبًا كنا نتوه بين هذا اللغز، وكانوا يعطون الانطباع بأن الحزب الجمهوري أفضل من الديمقراطي، ربما لأن هؤلاء الكتاب كانوا يروجون للنظم الجمهورية في العالم العربي التي تحولت إلى نظم استبدادية وجمهوريات وراثية. وقد تكشف لنا فيما بعد أن الولايات المتحدة لديها تجاه إسرائيل موقف ثابت، ولا يحدث التغيير إلا في السياسات والتصريحات ودواعي المرحلة، والدليل على ذلك أن دواعي المرحلة وأهمها الضعف العربي هو الذي أدى إلى تحول الموقف الأمريكي العلني في كل ملفات الصراع العربي ـــ الإسرائيلي. أما القضية الثانية، فهي مدى جدية تصريح المرشح الأمريكي، فإن كان يقصد ما يقول فإن ذلك يفضح جهله الذي لا يصح أن يصل به إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة وإلا أصبحت كارثة للشعب الأمريكي، وقد آن الأوان لهذا الشعب الذي يدفع الضرائب وينتخب من يحدد سياسات بلده أن يكون له دور فاعل في ذلك. القضية الثالثة، أن صورة الولايات المتحدة في العالم العربي بسبب إسرائيل سيئة بما يكفي، ولذلك فإن هذه التصريحات تزيد السوء سوءًا، ولا يحق لأحد في الولايات المتحدة أن يتساءل بعد ذلك، لماذا يكره العرب الولايات المتحدة رغم أننا نكرر دومًا أن العرب لا يكرهون أحدًا لذاته، وإنما يكرهون الانحياز الأعمى لإسرائيل الذي بلغ بالمرشح الجمهوري حد الجهل الكامل بالحقائق التاريخية والجغرافية. ولذلك فإن إحصاءات الرأي العام في الولايات المتحدة تفخر دائمًا بأن المواطن الأمريكي ليس مهتمًا بالسياسة الخارجية والصراع العربي ـــ الإسرائيلي، وهذه الحقيقة بالتحديد هي التي تركت الدوائر الصهيونية تتحكم في صناعة القرار الخارجي للولايات المتحدة.
هذه الحقيقة لا بد أن تدفع الجانب العربي إلى أمرين: الأمر الأول، التواصل مع المجتمع الأمريكي لإطلاعه على الحقائق وتشجيعه على أن يكون له رأي في موقف بلاده من الصراع العربي ـــ الإسرائيلي، وهذا أمر ميسور. أما الأمر الثاني، فهو أن يجمع العرب أمرهم، وأن يتحدثوا مع الحكومة الأمريكية بلغة واحدة ومنطق واحد واضح يتسم بالجدية، وأن يدركوا أن القضية ليست انحيازًا فقط، ولكنه إنكار كامل لحقائق الصراع قبل أن يكون إنكارًا لحقوق سياسية لشعب لم تعرف أرضه سواه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي