المخاوف من الأسوأ تغذي الجدل حول ضوابط رأس المال

هل ينزلق العالم خلسة نحو ضوابط رأس المال؟ هذا هو السؤال الذي بدأ يحوم بشكل شبه معلن حول النقاشات المتعلقة بالسياسات، مع انتشار القلق في جميع أنحاء أوروبا.
أما الآن فقد تم تحفيز هذا الجدل من مصدر غير متوقع هو بنك إنجلترا. فقد أصدر البنك هذا الأسبوع ورقة عمل عن تدفقات رأس المال العالمية* كتبها ثلاثة من خبرائه الاقتصاديين هم وليم سبيلر، وغريغوري ثويتس، وميشيل رايت، تعتمد بشكل كبير على بحث أجراه آندي هالدن، رئيس قسم الاستقرار المالي في البنك.

لم تجتذب الورقة كثيرا من الانتباه في ضوء الأحداث الدرامية التي تشهدها منطقة اليورو، لكن الرسالة واقعية ومهمة - وفي الوقت المناسب. وتجادل الورقة بأن الاضطرابات المالية اليوم قد تكون مجرد مقدمة لشيء أسوأ في السنوات المقبلة. وأن الاختلالات العالمية التي ساعدت على حدوث الأزمة المالية لم تتراجع، بل على العكس من ذلك يرجح لها أن تزيد في السنوات المقبلة.

هذا يعني أن النظام المالي ربما يكون متجهاً نحو صدمات أكبر، ولا سيما في أماكن مثل المملكة المتحدة وهونج كونج وسويسرا. لكنه قد يفرض أيضاً تحولاً في السياسة، أبرزه هو أنه ''في مواجهة زيادات أخرى في حجم و/أو تقلب تدفقات رأس المال، من المرجح أن يختار بعض الدول تطبيق ضوابط على رأس المال'' كما تحذر الورقة. ويمكنك تسمية ذلك، إذا أردت، العودة إلى المستقبل. والأساس المنطقي الذي أثار هذا التحليل يبدأ مع ملاحظة أن حجم دول الأسواق الناشئة سيزيد على الأرجح في العقود القليلة المقبلة، من حيث الناتج الاقتصادي ونشاط أسواق رأس المال. ومن شأن هذا أن يترك لدول البريك - البرازيل، وروسيا، والهند، والصين - مزيدا من المال لاستثماره. ومن المحتمل أن يتجه معظم هذا المال إلى الخارج. وقد تبدو هذه النقطة بدهية. ففي النهاية، شهدنا بالفعل هذا الاتجاه في العمل. انظر فقط إلى الكيفية التي تلتهم بها الصين سندات الخزانة (وديون منطقة اليورو). وتشير تقديرات البنك إلى أنه بين الأعوام 2002 و2007 زاد إجمالي تدفقات رأس المال الدولية السنوية من 5 في المائة إلى 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين ارتفعت اختلالات الحساب الجاري العالمية من 3 في المائة إلى 6 في المائة، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة قوة دول البريك.

والنقطة الرئيسية التي يجب فهمها هي أن هذا الاتجاه سيزيد: باستخدام حالات محاكاة معقدة، تشير الورقة إلى أنه بحلول عام 2050 ستحتفظ دول البريك بأكثر من 40 في المائة من جميع الأصول الخارجية، وستكون تدفقات رأس المال الخارجية لغير مجموعة السبع ضعفي حجم التدفقات الخارجية لمجموعة السبع. ويتوقع أن تصبح الهند في عام 2050 الدولة الرئيسية ذات الفائض، في حين سيتقلص فائض الصين وسط الاتجاهات الديموغرافية (والمنذر بالخطر هو أن حالات العجز ستزيد أكثر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة). والمسألة المهمة هي أن اختلالات الحساب الجاري العالمية - حاصل حالات العجز والفائض - ستستمر في الزيادة، لتصل إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي إلى ضعفي مستواها قبل الأزمة الأخيرة. وهذه بالطبع مجرد محاكاة؛ وبما أنها تعتمد على كثير من الافتراضات، فقد يتبين أنها خاطئة. لكن يجب أن تثير نقاشاً أكبر حول السياسة. ففي الأيام الذهبية، قبل الأزمة في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، كان من البديهي أن العولمة المالية شيء جيد. ففي النهاية من المفترض أن يمكّن رأس المال الحر الأموال من التدفق إلى الأماكن التي هي بأشد الحاجة لها، وبأفضل سعر، أو هذا ما تقوله النظرية. إلا أن أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر والأحداث الدرامية في منطقة اليورو تزعزع هذا الاعتقاد. وبغض النظر عن حقيقة أن الاختلالات يمكن أن توجد فقاعات، فإن الخطر الأكبر الآن - ولا سيما في منطقة اليورو - هو أن العولمة المالية أنشأت نظاماً مترابطاً بطرق خطيرة. وهذا يجعله عرضة بشكل كبير للعدوى ولحالات الازدهار والإفلاس من النوع الذي حدث عام 2008، حين انهارت تدفقات رأس المال العالمية إلى 1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا زادت العولمة يمكن أن تصبح هذه التقلبات أسوأ.

هل هناك حل؟ يشير البنك – بشكل منطقي - إلى أن الحل الفعلي الوحيد هو تشديد تنسيق السياسة عبر الحدود. وقد بدأ بعض هذا الأمر بالفعل. وكانت اتفاقية مبادلة الدولار الأسبوع الماضي بين البنوك المركزية، مثلا، أحد الحلول لمشكلة أوجدتها التدفقات العابرة للحدود والاعتماد المتبادل (في هذه الحالة، اعتماد بنوك منطقة اليورو على الدولارات). إلا أن هذه ليست سوى خطوات صغيرة. وكما تشير ورقة عمل أخرى للبنك، المطلوب حقا الآن هو شيء يشبه هيكل الحكم على غرار بريتون وودز، لكن جديد، لتمكين صانعي السياسة من مواكبة عولمة تدفقات رأس المال.

لكن احتمال حدوث هذا في العالم اليوم تبدو ضئيلة. ففي النهاية لا يمكن لصانعي السياسة حتى تنسيق أنفسهم داخل منطقة اليورو، فلا عجب إذن أن يخلص البنك إلى أن بعض الدول قد يلجأ إلى تدابير ''احترازية كلية'' أحادية الجانب، مثل ضوابط رأس المال. والسؤال الوحيد - الذي يتجنبه البنك بلباقة - هو من سيبدأ أولا؟

*The Future of International Capital Flows; Bank of England FS paper 12/9/2011.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي