أبيعك الحكمة: «فكر قبل أن تعمل»
روي أن أحد الولاة تجول ذات يوم في السوق فوقع بصره على دكانٍ قديمٍ فيه رجل طاعن في السن، اقترب الوالي منه وسأله: ماذا عندك مما يُباع؟ أجاب الرجل: عندنا أثمن البضائع! دهش الوالي.. وأخذ يقلب بصره فلم يجد شيئاً للبيع! قال الرجل: أنا أبيع الحكمة.. ولوحاتي غالية الثمن..! تقدم الوالي إلى إحدى اللوحات فإذا مكتوباً فيها: ''فكر قبل أن تعمل''، تأملها ثم التفت إلى الرجل وقال: بكم تبيع هذه اللوحة؟ قال: بعشرة آلاف دينار فقط! ضحك الوالي.. وبقي الشيخ ساكناً.. يقول: لا نقاش في الثمن! أخذ الوالي يساومه على الثمن.. والعجوز مصر على كلمته، ضحك الوالي وأنصرف.. وفيما كان يتجول في السوق نوى أن يفعل شيئاً تأباه المروءة، فتذكر تلك الحكمة: ''فكر قبل أن تعمل'' فتراجع.. وأخذ يفكر، وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة، فعاد للعجوز قائلاً: لقد قررت أن اشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده! لم يبتسم العجوز! بل أمسك باللوحة ثم ناولها الوالي واستلم المبلغ، لكن، قبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ: بعتك هذه اللوحة بشرط أن تكتب هذه الحكمة على أكثر الأماكن في بيتك! فكر الوالي قليلا ثم قال: موافق! ذهب الوالي إلى قصره، وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة حتى على ملابسه! وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية واتفق مع حلاق الوالي الخاص، ولما وصل الحلاق إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة: ''فكر قبل أن تعمل''، فارتبك، ولكنه جمع نفسه ودخل، وفي الممر الطويل رأى العبارة ذاتها تتكرر هنا وهناك، حتى حين قرر أن يطأطئ رأسه تفادياً لرؤيتها رأى على البساط العبارة نفسها! فازداد اضطراباً، فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة، وهناك رأى العبارة نفسها تقابله: ''فكر قبل أن تعمل''، فشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة! وعندما دخل الوالي هاله أن يرى ثوبه وقد كُتب عليه: ''فكر قبل أن تعمل''.. وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي، أفزعه أن يقرأ على الصندوق: ''فكر قبل أن تعمل''، فاضطرب محاولاً أن يتفادى نظرات الوالي إليه فصرف نظره إلى الحائط، فرأى اللوحة منتصبة أمامه ''فكر قبل أن تعمل''، فسقط منهاراً بين يدي الوالي وهو يبكي منتحباً، وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة.. وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان.. نهض الوالي وأمر بالقبض على قائد الجند وأعوانه، وعفا عن الحلاق.. ثم وقف الوالي أمام تلك اللوحة ينظر إليها بزهو وانشراح، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز.. لكنه، حين ذهب إلى السوق أخبره الناس أن العجوز قد مات.
انتهت القصة.. ولكن، لو أن أحدنا كتب عبارة ''الله يراك.. الله ينظر إليك.. الله قريب منك.. يسمعك ويحصي عليك''، في عدة أماكن من البيت، على شاشة الكمبيوتر وعلى طاولة المكتب وفوق التلفاز، وفي مقر عمله، لاستقرت في عقله الباطن، وتردد صداها في عقله وقلبه، حيثما حملته قدماه، رآها تواجهه.. وأنه، سبحانه وتعالى، يعلم الجهر وما يخفى، وأحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه، سيجد له أثراً بالغاً في حياته واستقامة سلوكه، وانضباطاً في جوارحه، وسيغدو مباركاً حيثما كان.